المتوقع أن يروي من شاهد مسيحيي العراق مأساة تهجيرهم على يد الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، إلا أن أعضاء لجنة الإغاثة العائدين مؤخرا من اربيل بالعراق حكوا لنا بالأكثر روعة إيمان هؤلاء المهجرين المشردين من أجل حملهم اسم السيد المسيح، إذ لم يوافقوا على تخيير “داعش” لهم بين اعتناق الإسلام أو دفع الجزية.
وطنى التقت أعضاء لجنة الاغاثة المشكلة من الكنائس المصرية الثلاث التي سافرت إلى العراق حيث تحدث كلا من ماهر عشم و د. نادية هنرى إلينا حول تفاصيل الزيارة فقالت الدكتورة نادية هنرى أن: “لجنة ضمن وفد من المتطوعين يمثلون الكنائس المصرية الثلاث، وقدمت للمنكوبين بعض المساعدات التي تم جمعها بمصر من بطاطين وخيام وأغذية، ومازالت الأدوية المحملة من مصر لم تدخل للمناطق المنكوبة لـتأخير الحصول على تصريح الدخول الذي يجد عوائق نظرا لعرقلة تجار الأدوية بالعراق لدخول مثل هذه الشاحنات حتى يتمكنوا من تعزيز تجارتهم على حساب هؤلاء المنكوبين الذي يزيد عددهم عن 40 ألف نازح”.
وتابعت هنري أن وفد الإغاثة المصري تقابل مع عدد من القيادات الكنسية بالعراق مثل المطران بشارة و رئيس أساقفة الكلدان. وتزامن وجود وفد الكنيسة المصرية، مع زيارة الرئيس الفرنسي “فرانسوا هولاند” لمخيمات اللاجئين. وأيضا مع تزامن إغاثات من الأمم المتحدة، مشيرة إلى أنه بدأت خدمتهم بكنيسة “مارى ايليا” والتي كانت تضم ما يزيد عن 800 نازح مسيحي، لم يملكوا سوى ملابسهم ودموعهم التي مازالت تنهار بعد أن فقدوا كل ما يملكون وتسودهم المخاوف من المستقبل.
واستكملت: “لكن الوفد المصري حاول تخفيف المعاناة عن النازحين بالاستماع لهم وإقامة حفل لهم تضمن مواد روحية وتراتيل وألعاب للأطفال ومسابقات”.. وأضافت هنري: “كما أننا حاولنا التخفيف عن الأطفال والبنات بالخروج للأسواق معهم وشراء بعض الملابس والأشياء لهم في محاولة لإعادة البسمة لهم في ظل شعورهم بحالة انكسار، لأنهم أدركوا أن استمرار الاغاثات لهم ولاسيما من الأمم المتحدة توحي بأنه لا أمل لهم في عودتهم لمنازلهم”.
وحكت لنا نادية هنري عن عظمة هؤلاء الأفراد وإيمانهم القوي، وقبولهم لما يحدث لهم بروح تبدو عجيبة، حيث أشارت إلى أن المهجرين كانوا دوما مبتسمين..
غير أن ذلك لم يمنع هنري من شن هجوما عنيفا على الدول العربية لصمتهم على ما يحدث في العراق وتساءلت كيف يصمت العرب على أخيه العربي الذي يقتل وأخته التي تغتصب وتباع في سوق الجوارى ولم يتحرك ساكنا إلا عندما دعت أمريكا للتحالف وهو عار على العرب.
ووجهت هنري سؤالا إلى الأزهر والإدارة السياسية في مصر قائلة: “هل توقفت المساعدات الإنسانية عند حدود غزة ولم يلتفتوا أن هناك كارثة إنسانية بالعراق، فعلى الرغم من مرور أكثر من 45 يوما على تهجير المسيحيين لم نر تحركا مصريا لتقديم المساعدات للمنكوبين لكارثة تفوق أي عقل انساني.. عندما نستمع من أم خطف طفلتها وعمرها 3 شهور من حضنها وأم أخرى يقتل ابنها وزوجها أمامها ويأخذون فتياتها واصفة ” مدينة أربيل” بأنها تحولت لوادي البكاء للنازحين، الذين لا يشعر بكارثتهم أحد وهم يعيشون ويشربون مياه تختلط بمياه الصرف الصحي مثل منطقة تسمى ” البحاركة”، حيث يعيش فيها النازحون من اليزيديين بطريقة غير أدمية وسط مياه الصرف الصحي ” المجارى” ويواجه الجميع كارثة حلول فصل الشتاء دون إيجاد حل للنازحين.. ولذا حاول الوفد المصري مساعدتهم بتوفير بعض الخيام التي تتحمل الإمطار وشدة الرياح.
أما ماهر عشم – عضو لجنة الاغاثة، فقال إن فكرة الزيارة بدأت من الأب فيليب نجم, حيث تحدث مع مجموعة “الخبر السار” للإعداد لحلقات صلاة وعمل الترتيبات للسفر وتجهيز وجمع تبرعات – مادية أو عينية، ثم انتشرت الفكرة إلى أن جمعت أغلب الطوائف المسيحية. وأشار عشم إلى أنه كان من المتابعين والحضور الأنبا موسى أسقف الشباب في الكنيسة الأرثوذكسية، والقس سامح موريس راعي كنيسة قصر الدوبارة الإنجيلية وكثيرين أيضا. وفي أحد أيام الصلاة المقامة للعراقيين، سمعت من السيدة نادية هنري عن فكرة السفر وعرضت وقتها صورا وتحدثت مع الحضور لجمع تبرعات، فطلبت أن أسافر معهم.
وأوضح عشم أنه تم جمع تبرعات وأدوية وبطاطين وملابس من كل أنحاء مصر، مؤكدا أن الأدوية كانت تتبرع بها الصيدليات، وليس من وزارة الصحة. وجمعنا نحو “كونتينرز” تزن 6 طن، وتمت الموافقة على إرسالها للعراق من السلطات العراقية ثم تم شحنهم جويا وبريا, والمقرر عندما تصل إلى هناك أن تتولاه مجموعة “كاريتاس” وتقوم بتوزيع محتوياته.
وذكر عشم أن اللجنة قابلت مطران إربيل ومطران الموصل اللذين هربا مع الباقين وهما موجودان بالمخيمات. وحاول عشم يتحدث معنا عن نقطة، وهي أنهم شعروا بروح عدم تذمر عجيب من المهجرين العراقيين، بل الناس يمتلئون بالصبر والرضا والأمل، رافضين ترك إيمانهم تحت أي ظرف.
-وقال عشم: ” وجدناهم يتكلمون معنا وسعداء لرؤية مصريين ومتأثرين بأننا نفكر فيهم ونصلي في بلادنا من أجلهم. وقالوا إنهم متابعين أخبار الكنيسة في مصر وأنهم تأثروا جدا بدعوى البابا تواضروس الثاني بالصوم ثلاثة أيام عندما مرت مصر بمحنة العام الماضي. وانبهروا بتفاعل كل الطوائف مع دعوى البابا تواضروس. فكانت كل الكنيسة موحدة تصوم من أجل تدخل يد الله”. وكما قالت السيدة نادية هنري إنهم :”في وسط آلامهم كانوا يتحدثون عن الإفلام المصرية والفنان عادل إمام”.
وتابع عشم: ” تعجبنا جدا بمدى عزة النفس لدى العراقي.. فكلهم في مأساة لكنهم يتحدثون إلينا بمنتهى الرفعة والفخر وعزة النفس. ولا يجعلون مآسيهم تسيطر عليهم، حتى في أبسط الأشياء. فقد شاهدت الكثيرين وهم ينظفون أماكنهم ويهتمون بنظافة ملابسهم المتواضعة، ويحافظون على البيئة المحيطة بهم”.
أما اللقطة التي أستوقفت ماهر عشم عضو لجنة الإغاثة فهي وجود فريق كبير جدا من خدام كنائس إربيل متطوعين للخدمة بالمخيمات.. يعملون طول اليوم كالنحل.. دائما مبتسمين وصابرين.. وفي بعض المخيمات يرتدون شارة عليها “نعمل بفرح” وهذا كان بالفعل ليس بالكلام فقط… ففريق الخدمة مستمر طول اليوم في خدمات متنوعة: وعظ وترنيم، تعليم, لعب مع الأطفال، خدمة الناس وتلبية احتياجاتهم، ومواساة كل من تخور قواه… لكن أكبر فئة مكتئبة ومحبطة البنات من سن العشرينات. ولذلك أخذنا البنات من المخيمات ليختارن ملابسهن ويشترن ما يحلو لهن، حتى تتحسن حالتهن النفسية ونسقنا مع المحلات لكي يقدموا لهم طلباتهن.
-وعن طبيعة العمل في المخيمات قال عشم إن الكنيسة بها مخزن مركزي ويتم التوزيع على المعسكرات كل يوم بحسب الاحتياج من مأكولات، وأدوية. لكن لا يوجد فرد يمتلك أموالا داخل المخيمات.
وعن احتياجات الناس الملحة هناك، أشار عشم إلى أنه يجب نقل المخيمات خارج المدارس لكي تبدأ المدارس في عملها الطبيعي وهو التعليم، إعداد وتجهيز خيم تتحمل ظروف الشتاء. وكذلك ملابس وأحذية تتلاءم مع برد الشتا. وقد استطعنا- حسب تأكيد عشم- أن نوفر في مخيم “مزار مريم” بقيادة أبونا دوجلاس، خيام عازلة للأمطار والبرد وبها ثيرمال ” thermal ” للتدفئة. فقد وفرنا الخيام لثلث العدد الموجود بالمخيم، ولدينا خطة استكمال الثلثين الآخرين لاحقا في خطة سفر مرات أخرى للعراق في وقت قريب.
وذكر عشم أنه عندما تبدأ المدارس ستكون 3 شيفت حتى تستوعب الوافدين الجدد، ولكن مشكلة هؤلاء أن ليس معهم أوراق رسمية.. وهذا يدرس بواسطة السلطات المعنية الأن، مشيرا إلى أن المعسكرات آمنة وليست محمية بجيش أو شرطة، يوجد فقط عامل بواب على المدخل تم اختياره منهم حتى يتابع الأطفال وعدم خروجهم خارج المخيم.
وأكد عشم :” أن شعب المدينة راضي ومتقبل وجود الوافدين عليهم، لا يوجد شحاذ ولا حرامية.. لكنهم قلقانين كيف ستبدأ الدراسة بدون مدارس كافية؟ مع ملاحظة أن الأكراد غير سعداء بالوضع.
– لا يوجد دراسة علمية لإحتواء الأزمة، لأن هؤلاء المطارنة والكهنة وجدوا أنفسهم في قبالة مشاكل أكبر من حجم خدمتهم بكثير، فهم يتعاملوا مع حل المشاكل يوما بيوم. فلا يوجد مثلا إلى الأن أي فكر لعلاج نفسي للوافدين. وقال:”سنعود إلى العراق بأفكار مشروعات لخلق فرص عمل لهؤلاء الوافدين الذين ليس لديهم ما يعولهم على ظروفهم القاسية.”
وأشار إلى أن اللجنة بعد زيارتها سوف تستمر في دورها بجمع تبرعات أخرى للنازحين لاسيما أن اعدادهم في تزايد مستمر وهناك مدن اخرى مثل دهوك التى ضم عدد كبير من المسيحيين واليزيديين وبعض الشيعة.