لم تتوقف الخسائر التي خلفها الانفجار، الذي استهدف مبنى الأمن الوطني في منطقة شبرا الخيمة، على أطراف العاصمة المصرية عند الإصابات البشرية والأضرار التي لحقت بمبنى الأمن الوطنى فقط، لكن الأمر تعدى ليلحق أضراراً بالغة بأحد أقدم واندر قصور الأسرة العلوية في القاهرة وهو قصر محمد علي الذي لاقى من التصدعات
والتخريب ما يفوق قدرة المبنى الأثري على التحمل و يرجع تاريح انشاءة الى 200 عام مضت .
على بعد 500 م من القصر، بدأت بعمل دراسة كاملة، تمهيداً لبدء عمليات الترميم وقد اثبتت اللجنة أن الأضرار التى لحقت بالقصر لم تمس المبانى الأثرية، و أن الأضرار التى وقعت بالقصر تمثلت فى بعض التلفيات بكشك الجبلاية وقصر الفسقية .
تهشم فى الزجاج المعشق بكشك الجبلاية اعلى البابين الرئيسين الشرقى والغربى مع تكسير لزجاج النوافز جميعها ، وشروخ سابقة فى الجدران الشرقية والغربية والذى زاد بعد الانفجار ، كذلك شروخ جديدة وسقوط اجزاء من الاسقف وانفصالات شديدة فى بلاطات الارضيات الالبستر فى الحجرات والصالة الكبيرة وكسر لابليك حديثة .
اما بالنسبة لقصر الفسقية فقد تلاحظ تكسيرالكثير من زجاج النوافز من جميع الجهات واشدها من الجهات الشرقية والغربية والشمالية للقصر وسقوط الكثير من النوافز الثابتة العلوية والتى انفصلت عن النوافز الكبيرة وكذلك سقوط نجفة حديثة (غير اثرية) امام حجرة الصالون وايضا انفصلت الحشوات الخشبية بباب حجرة المائدة والصالون وغرفة صغيرة ملحقة بغرفة الصالون .
وقد أصدر د ممدوح الدماطي وزير الاثار تعليماته بالبدء فوراً في أعمال تركيب الزجاج المهشم مع استمرار العمل بالمبنى يومي العطلة الرسمية الجمعة والسبت وحتى الإنتهاء من إصلاح التلفيات التي نتجت عن الإنفجار.
من جانبه قال د. مصطفى أمين الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار : أن عدد من خبراء مركز هندسة الآثار والبيئة التابع لكلية الهندسة جامعة القاهرة سيقوموا بزيارة المبنى لعمل الدراسات اللازمة من الناحية الإنشائية والحالة الراهنة للقصر، وذلك تمهيداً لإعداد مشروع متكامل لترميمه واستغلاله الاستغلال الأمثل أثرياً وسياحياً وإقتصادياً.
وعن تاريخ قصر محمد على بشبرا يقول الدكتور عزت صليب مدير عام ترميم الاثار والمتاحف بالقاهرة الكبرى : أختار محمد علي مكاناً قصياً ليبنى لنفسه قصراً تهدأ فيه نفسه.. وكانت تلك بداية شبرا الخيمة كما تسمى اليوم. ففى منتصف شهر ذي الحجة 1223 هـ يناير 1809 م ـ أي قبل مذبحة القلعة ـ اختار موقعاً على شاطئ النيل في منطقة شبرا مساحته 50 فداناً في متسع من الأرض، يمتد إلى بركة الحاج، واستولى فيه على عدة قرى وإقطاعيات، وبدأ بناء قصره، وغرس فيها البساتين والأشجار… ولكن سقط سقف القصر بعد انتهاء بنائه في مايو 1809 فأعيد بناؤه. وفى 1812 م أنشا محمد على عدداً من السواقى لتوفير المياه للقصر والحدائق ويعود تاريخ إنشاء القصر إلى عام 1809، بعد عدة سنوات من تولي محمد علي، مؤسس الدولة المصرية الحديثة، الحكم، كموقع للاحتفالات والمراسم، ويضم فى حرمه اثنين من القصور والتي تعتبر تحفة معمارية في البناء، والزخارف، والتزيين، هما قصر “الفسقية”، وقصر “الجبلاية .
بني القصر على مراحل استمرت حوالي 13 عام ابتداء من عام 1808 م حتى عام 1821 م وقد اضيفت اليه سرايا الجبلايا عام 1836 م وهو عبارة عن مساحة مستطيلة ابعادها 76.5 متر × 88.5 متر ويتكون من طابق واحد ويفتح باواسط اضلاعه اربعة أبواب محورية ، يتقدم كل باب سقيفة ويشغل كل ركن من البناء حجرة تبرز من الواجهة كأنها برج ويتوسط البناء حوض تتوسطه نافورة تنخفض عن أرضية البناء ، واشرف علي الإنشاء مشيد عمائره ذو الفقار كتخدا.. وجاءت عمارة القصر علي نمط جديد لم تعرفه مصر من قبل، وساعدت المساحة الشاسعة للموقع الجديد علي اختيار طراز معماري من تركيا، هو طراز قصور الحدائق والذي شاع في تركيا علي شواطئ البوسفور والدردنيل وبحر مرمرة.. ويعتمد هذا التصميم في جوهره علي الحديقة الشاسعة المحاطة بسور ضخم تتخلله أبواب قليلة العدد، وتتناثر في هذه الحديقة عدة مبان، كل منها يحمل صفات معمارية خاصة.و قد اشتهر القصر باسم قصر الفسقية لوجود نافورة كبيرة به، وللوصول إلى القصر قام محمد على بالأمر بإنشاء شارع شبرا ، وفي عام 1847م كانت بداية شارع شبرا، وكان هدف محمد على أن يحول هذا الشارع إلي مكان للنزهة والترويح خارج عاصمته مصر. وفى عام 1836، أنشئ مبنى ملحق بالقصر الرئيسي، وهو قصر “الجبلاية” أو الضيافة. وهو مبنى من طابق واحد، به خمس غرف، تُفتح إلى ساحة صغيرة تتوسط القصر. وتحيط وبالقصر حديقة شاسعة، جمع فيها محمد على الكثير من النباتات النادرة من أنحاء العالم. وزُرعت في حديقة هذا القصر أول أشجار المانجو، واليوسفي، والمامبوزيا في مصر
والسور المحيط بالقصر حالياً لا يشير لعظمة هذا البناء، الذي كان تحفة معمارية غير مسبوقة في عصره وحديثاً اقتطعت مساحة من حديقة القصر لإنشاء كلية للزراعة، ومعهد التعاون الزراعي، فتقلصت مساحة القصر إلى 13,700 متر مربع .
أما التلفيات في قصر الفسقية فقد كانت محدودة، ولم تزد على تدمير عدد من النوافذ الزجاجية ونجفة غير أثرية . أن التفجير، رغم فظاعته كعمل يستهدف منشآت الدولة والمدنيين، “فقد ساهم في تسليط الضوء على أهمية القصر وقيمته، والإسراع من إجراء عمليات الترميم فيه، التي كانت مرجأة إلى وقت غير محدد .
ويؤكد الدكتور عزت صليب ، أن هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها القصر للتلف والتدمير، ففي عام 2009، أعلنت وزارة الثقافة عن سرقة تسع لوحات فنية أثرية من القصر، تعود جميعها إلى عصر أسرة محمد على باشا. وكانت اللوحات قد أُعيرت إلى القصر كجزء من عمليات التطوير والترميم وفي عام 2011، أُغلق القصر بعد ثورة 25 يناير/كانون الأول لدواع أمنية، ومع تراجع الاهتمام بالصيانة والظروف الأمنية غير المستقرة، بدأت حالة القصر في التدهور
ويُعد القصر تحفة معمارية غير مسبوقة في عصرها، إذ بُني على طراز تركي كان الأول من نوعه في مصرفهو تحفة معمارية نادرة علي مستوي العالم خاصة انه جمع بين الأسلوب الأوروبي في الزخارف وبين روح تخطيط العمارة الإسلامية أما رسوم وزخارف القصر فنفذت بأسلوب الرسوم الايطالية والفرنسية في القرن التاسع عشر ، حيث استعان محمد علي بفنانين من الفرنسيين والايطاليين واليونانيين والأرمن لزخرفة قصره وهو ثانى قصر لمحمد على بعد قصر الدوبارة بالقلعة ، وكان بمثابة قصر رئاسى أو وزارة خارجية فى عهد محمد على حيث كان يستخدمه فى استقبال كبار الزوار الوافدين إلى مصر وكان به قصر للحريم يطل على النيل مباشرة ولكن تم إزالته فى عهد الملك فؤاد الأول لفتح الطريق الزراعى وفى عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك تم اجراء ترميم للقصر بتكلفة 55 مليون جنيها ، وكان يقام به احتفالات كبرى حتى انهيار أحد النافورات الموجودة به ، وبناء على ذلك قرر المجلس الأعلى للأثار غلقة لحين صيانته ، ثم صدور قرار آخر بغلقه مرة أخرى عقب ثورة 25 يناير ، بناء على قرار غلق كافة المتاحف الموجودة بمناطق شعبية نظراً لحالة الإنفلات الأمنى التى كانت تمر بها البلاد فى تلك الفترة وحفاظاً على الآثار المصرية.