الباحث أحمد صالح : الدائرة الحجرية فى النوبة أقدم مبني فلكي في العالم
منذ ألاف السنين كانت النوبة ارض سافانا علي ضفاف النيل ، وقدمت الأرض والنهر للنوبيين النباتات الطبيعية والحيوانات البرية والأسماك ، لذا عاش النوبي في هذه العصور السحيقة في القدم علي ما توفره له الطبيعة ، وكان النوبي جامعا للغذاء ، فكان يتنقل ويقيم في معسكرات مؤقتة ، ويصنع أدواته من الحجر ، كما رسم علي الصخور الحيوانات التي كانت تعيش في بيئته مثل الأفيال والزرافات والنعام والغزلان.
هذا ما وضحه باحث علوم المصريات أحمد صالح فى بحثه ، تحت عنوان ” فجر التاريخ النوبى ” ، موضحا ان أقدم الأماكن التي تشير إلي التواجد البشري في النوبة ، التى ترجع إلي العصر الحجري القديم هو موقع أرقين 8 ووادي حلفا ، حيث عثر علي أدوات حجرية ، وبالقرب من الموقع السابق في وادي حلفا عثر علي أماكن تشير إلي وجود ورشة لتصنيع الأدوات الحجرية ، حيث كان النوبيون في هذا العصر مجموعات من الصيادين الرحل الذين يتعقبون قطعان الماشية مستخدمين أدواتهم الحجرية فى الصيد .
وفي العصر الحجري القديم الأوسط (90000 – 35000 ق . م ) انخفض نهر النيل ، وبدأ النوبي يبحث عن مصدر المياه لكي يقيم بجواره ، وصنع أدوات تختلف عن العصر السابق وعرف استخدام النار ، وبدأت معرفته للفنون البسيطة مثل صناعة الخرز ورسم المخربشات علي الحجر والعظم ، وبدأ يدفن موتاه .
أقدم جبانات النوبة
واشار باحث علوم المصريات ، الى ان أقدم الجبانات التي عثر عليها في النوبة هي جبانة جبل الصحابة ، وعثر بها علي 59 هيكل عظمي ، حيث دفنت هذه الأجساد في وضع مقرفص علي جانبها الأيسر ، وكانت هذه الأجساد مدفونة في حفر مغطاة بكتل من الحجر الرملي ، وعثر علي شظايا ملتصقة ب 24 جمجمة موضحا انها سبب وفاة أصحاب هذه الأجساد ، فيبدو أنها وفاة عنيفة نتيجة تدفق مياه النهر بشكل قاسي قضي عليهم ، وقد جعلت هذه الكارثة الطبيعية أهالي هذه المنطقة يدفنون أجساد جماعية .
وفي الألف السادسة ازدهرت ثقافة الخرطوم ، وظهرت الأواني الفخارية والنقوش التى تصور الحيوانات التي ظهرت في البيئة ، وتم الكشف عن خطاطيف من العظم تشير إلي الصيد النهري ، الى جانب الصيد البري . وفي (الألف الخامسة ق .م) شاعت موجة رطبة وارتفع منسوب المياه ، الذى مثل أوج العصر الحجري الحديث حيث انطلق النوبى في إبداعاته الكبيرة ، وانتقل من مرحلة الجمع والصيد والالتقاط إلي مرحلة إنتاج الطعام ، وعرف الزراعة وصناعة الفخار .
الدائرة التقويمية الحجرية
ومنذ خمسة آلاف عام أقام النوبيون في النبطة وكانوا يقومون بزراعة الحبوب وتوصلوا إلي اختراعات فلكية مدهشة ، هذا ما أضافه الباحث أحمد صالح قائلاً : من الواضح أن الأمطار كانت تسقط علي هذه المنطقة وتشكل حوضا تجمع حوله السكان المحليون وكانت حياتهم قائمة علي الرعي وصنعوا أدوات فخارية ، وشيدوا مساكنهم في هذه المنطقة بشكل منظم ويبدوا أنهم كانوا يتعبدون إلي الحيوانات ، وقاموا بدفنها كقربان مثل البقرة ، أما أهم ما توصلوا إليه هو بناء مباني فلكية ( ميجاليثيك ) مثل البوصلة الحجرية ، والتي هي عبارة عن لوحات حجرية محورها شمال جنوب ،وتغطي مساحة 500 متر طول و200 متر عرض ، وتتكون من خمسة صفوف من أحجار الكوارتزايت ، ويعتقد بان هذه البوصلة تمثل بوصلة المسافرين لتحديد اتجاهات السفر ، أما المبني الثاني فهو يمثل الدائرة التقويمية الحجرية وهي عبارة عن دائرة من الأحجار وفي وسطها أربعة أزواج من الأحجار وفي مركز الدائرة ستة أحجار رتبت في صفين ، وتعد هذه الدائرة الحجرية أقدم مبني فلكي في العالم.