وأضاف إن الإبتلاء بالتطرف هو مصيبة كل عصر و لكل عصر ضحاياه, تجرع سقراط للسم لا يختلف عن محاكمات جاليليو, و لا يختلف عن مصادرة فكر ابن رشد و حرق مؤلفاته, و لا يختلف عن محاكمات نصر حامد أبو زيد, ومن المؤسف أنه باسم الأديان تم قتل و إزهاق أرواح الآلاف ممن فكروا في فتح نوافذ الاختلاف عبر العصور, و باسم حماية الأديان تم مصادرة فكر آلاف مثلهم .
من المخجل أن نقول أن حرية الرأي و التعبير في مصر لازالت تعاني من العديد من الإشكاليات والقيود على اكثر من محور, فعلى الرغم من ان التعديلات الدستورية الأخيرة في عام 2014 منحت للمصريين مساحات واسعة في التعبير عن الرأي و تداول المعلومات و حرية البحث العلمي و الفكر و الاعتقاد إلا أن تلك النصوص الدستورية على الرغم من جودتها, لم تترجم على أرض الواقع حتى الآن.
ومن المؤسف أن تتضافر مع حالات الاعتداء على حرية التعبير و الفكر و الاعتقاد عمليات تأييد شعبية واسعه لتلك الحالات, وهو أمر غاية في الخطورة حيث أن عملية التأييد الشعبي تلك, تمنح القائم على الانتهاك مظلة واسعة من الحماية, و هو ما يؤدي دون شك إلي امتداد مساحات الانتهاكات.
ومن خلال النظر الي الدستور المصري فأننا نجد ان الدستور تحدث عن حرية الاعتقاد و انها حرية مطلقة (مادة 64 ) كما أكد على أن حرية الفكر و الرأي مكفولة و أن لكل انسان حق التعبير عن رأية بالقول أو الكتابة أو التصوير أاو غير ذلك (م 65 ) بالإضافة إلى أن الدستور أكد على التزام الدولة بكفالة حرية البحث العلمي ( مادة 66 ) وكفالة حرية الابداع الفني, و أنه على الدولة أن تعمل على رعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم, وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك ( مادة 67 ) ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري, أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد، فيحدد القانون عقوباتها.
واضاف القس رفعت بان مايحدث مع المفكرين يذكرنا بما قاله يوسف إدريس ذات مرة: “إن الحرية المتاحة في العالم العربي كله، لا تكفي كاتباً واحداً لممارسة إبداعه بشكل كامل، بعيداً عن القيود المتعددة التي يفرضها على الكتابة, الاستبداد السياسي, والتصلب الفكري، والجمود الاجتماعي، والتعصب الديني”، وعندما نقارن ما كان يحدث في زمن يوسف إدريس وما يحدث اليوم، نلاحظ قدراً متزايداً من الوطأة القمعية لأشكال الرقابة, التي تؤثر في النهاية تأثيراً سلبياً على حرية الفكر والإبداع.
ويقول الشاعر بيرم التونسى ولولا النقاد لهلك الناس، وطغى الباطل على الحق، ولامتطى الأرذال ظهر الأفاضل، وبقدر ما يخفت صوت الناقد يرتفع صوت الدجّال ؟ ما أصدقه من قول صدح به الشاعر بيرم التونسي، وما أروعنا- بل وأعدلنا- من بشر إن فهمنا أو حاولنا أن نفهم قول بيرم التونسي فالدفاع عن النقد إنما هو دفاع عن الفكر والرأي وعن حرية التعبير عنهما، ذلك أن هذه الحرية ذات مكانة عميقة في حياة الآدمي، وهي من أهم عوامل الخلق والإبداع والتطور والتنمية لديه،
ومن المؤسف أن تتخذ عمليات تقييد حرية الفكر والإبداع أشكالاً مختلفة في المجتمعات العربية، وهي أشكال تندرج تحت ما يطلق عليه مرة اسم المصلحة الوطنية، وأخرى اسم الدين، أو الأخلاق أو المجتمع، وفي يقيني أنه ليس من حق أحد أن يعتبر نفسه وصياً على فكر أو أخلاق أي أحد، فالأديان أكبر وأعظم من فكرة الازدراء التى بها تم حبس شخصيات عديدة, والأديان الراسخة أقوى من أن تزعزعها تدوينة أو مقطع فيديو، وأثبت من أن يزعزعها رأي كاتب أو صحفي، وأرسخ من أن يزعزعها فيلم أو رسم كاريكاتيري، هذا فضلاً عن أن الله سبحانه وتعالى لم يطلب من أحد أن يدافع عنه وعن الأديان بالوكالة، فهو سبحانه قوي قدير, يستطيع أن يدافع عن نفسه وعما أنزله الله هو الله لن يهتز من إنكار منكر, ولا من قصيدة شاعر , ولا من مقال كاتب, ولا من مقولة قائل, ولا من تدوينة مدون, أو من بوست نشره أحدهم على الفيسبوك, فلماذا يجعلون من السماوي أرضي وهم يحاولون الدفاع عنه ؟!! كما أن الأنبياء والرسل هم عظماء في ذواتهم لا يمكن أن تؤذيهم رسوم مسيئة سواء كانت صامتة أم كانت متحركة,
النص الذي يعاقب على ازدراء الأديان تم اقحامه الباب الثاني الجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل, وهناك باب مستقل يتعلق بالجرائم المتعلقة بالأديان فما الداعي لنص جديد لازدراء الأديان؟؟
في عهد الرئيس الراحل ” محمد أنور السادات ” تم تعديل قانون العقوبات المصري و تم اضافة نص المادة (98 و) و التي نصت على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تتجاوز الـ5 سنوات أو بغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تتجاوز الـ1000 جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو الكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار منطوقة بقصد الفتنة أو تحقير أو ازدراء الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي, و قد تم استحداث هذا النص بحجه تزايد نفوذ التيارات الدينية التي سيطرت على منابر المساجد و شنت من خلالها هجمات حاده على الدين المسيحي و المسيحيين في مصر.
إلا أن الأغرب في هذا النص أنه تم وضعه في الباب الثاني من قانون العقوبات و هو القسم الخاص بالجنايات و الجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل, و هو ما يؤكد على أن هذا النص الدخيل لا علاقة له مُطلقاً بأي شأن ديني أو عقائدي، -كما يقول الأستاذ حمدي الأسيوطي في كتابه ازدراء الأديان تاريخ من القمع-, بل إن القانون يختص بتحديد الاتهامات المعنية بقلب نظام الحُكم، أو الإضرار بالوضع الاقتصادي للبلاد، وكل ما له علاقة بما نُطلق عليه “جرائم أمن الدولة”, ولم يتم إدراج القانون مع قوانين التعدي على الأديان.
الشئ الأبرز أن هذا النص بتركيبته المطاطية، يتيح لأي شخص أن يستهدف أي صاحب رأي ببلاغات ودعاوى كيدية، متهماً إياه بازدراء أو تحقير أو إهانة الدين، فهو لا يضع مفاهيم واضحة للمصطلحات التي يذكرها، مثل “ازدراء وتحقير الدين” أو “الإضرار بالوحدة الوطنية”، الأمر الذي يتيح إمكانية تفسيرها بما تقتضيه المصلحة. فقضايا ازدراء الأديان تُبنى على نصوص حمالة أوجه, فالازدراء كلمة مطاطية وهو نسبي يختلف من شخص لآخر ومن قاض لآخر ومن مشرع لآخر .
و عليه فأننا نجد نص الماده (98 و ) وحيداً و بعيداً عن النصوص الخاصة بالجرائم المتعلقة بالأديان و التي تمتلئ بها البنية التشريعية المصريه فنص المادة ( 161) و التي أشارت إلي أنه يعاقب بتلك العقوبات على كل تعد يقع بإحدى الطرق المبينة بالمادة ( 171) – و هي طرق النشر – على أحد الأديان التي تؤدي شعائرها علناً. ويقع تحت أحكام هذه المادة كل من طبع أو نشر كتاباً مقدساً في نظر أهل دين من الأديان التي تؤدي شعائرها علناً إذا حرف عمداً نص هذا الكتاب تحريفاً يغير من معناه أو قدم تقليداً أو احتفالاً دينياً في مكان عمومي أو مجتمع عمومي بقصد السخرية به.
بالإضافة إلى نص المادة ( 176) على أنه يعاقب بالحبس كل من حرض على التمييز ضد طائفة من طوائف الناس بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة إذا كان من شأن هذا التحريض تكدير السلم العام.
هذا فضلاً عن أن أحداث “الزاوية الحمراء” الطائفية عام 1981 لعبت دورًا محوريًا في صياغة قانون ازدراء الأديان، فالمادة 98 من قانون العقوبات الفقرة ( و ) كانت ذريعة صياغتها الحفاظ على الوحدة الوطنية بعد حادث الزاوية الحمراء و خاصة بعد ما أثاره أئمة المساجد في التحريض ضد الأقباط من على المنابر، فتم إضافة الفقرة (و) إلى المادة 98 بموجب قانون 29 لسنة 1982 (عهد مبارك) وجاء في نصها أنه:
أولاً
بشكل عام والمسيحيين بشكل خاص باعتبارهم أكبر كتلة للأقلية الدينية؟ هل توقفت الاعتداءات على الكنائس واستهداف المسيحيين والتهجير القسري؟ ألم تكن الجلسات العرفية هي سبيل الحكومة لحل مثل هذه الأحداث لتتحول الدولة إلى قبيلة كبيرة؟ ألم تغض الحكومة الطرف عن كثير من الأحداث الطائفية ضد المسيحيين؟
ثانيا
ثالثا
رابعًا
خامسًا
وعن حجية رفض إلغاء القانون قال القس رفعت فكرى
إذن فلا يوجد سبب للتمسك بالمادة 98 (و) على اعتبار أنها هي التي تحمي الأوطان ضد الإرهاب
والكنيسة الغربية والفاتيكان ذاته لم يطالب بمنع الرواية أو مصادرتها, وتطور الموقف في حده الأقصي عند حدود المطالبة بمقاطعة الفيلم, وإنما وقف عند حد الانتقاد والمقاطعة لها, وإصدار كتب في المقابل لمناقشة مايعرضه الفيلم أو الرواية, تصوبها وتبين خللها وشططها
وهنا يطرح السؤال هل الأصل مع تفكيرنا هو المنع والمصادرة والوصاية؟
كما تُعتبر هذه البلاغات بمثابة إساءة للحق في التقاضي بغية ترويع المواطنين، ومنعهم من ممارسة حقوقهم الأساسية، ومن بينها الحق في حرية الرأي والتعبير التي نص عليها الدستور المصري فى المادة (65)، والتى تنص على أن “حرية الفكر والرأي مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر”
وما يحدث مع المفكرين المصريين التنويريين يدعونا لضرورةِ مراجعةِ المواد (98 أ ، 160 ، 161) من قانون العقوبات المصري، تلك المواد التي يستغلُها البعضُ في توجيهِ اتهاماتٍ مُرسَلةٍ يتم وضعُها تحت عنوانِ “ازدراء وتحقير الأديان” فوجودُ مثل هذه المواد في القانون المصري أمرٌ يُمثل تناقضًا صارخًا مع الدستور المصري والحق الإنساني في التعبير عن الرأي، حيث إن هذه المواد تتعارضَ مع نص الدستور الواضح والصريح فيما يخص حريةَ الرأي والتعبير
في تصوري أن الإنسان لم يوجد لنصرة الدين وأنما وجد الدين لنصرة الإنسان, لقد أصدرنا قوانين تجرم ازدراء الأديان ولاتوجد قوانين تجرم ازدراء الإنسان, نحتاج لأن نكف عن استخدام قانون ازدراء الأديان كوسيلة وهدف وغاية لازدراء الإنسان.
فمن العجيب أن كرامة الإنسان تزدرى مع كل لحظة و لا أحد يندد أو يهتم, الفقر ازدراء لكرامة الإنسان, الجهل ازدراء لكرامة الإنسان, المرض و عدم الرعاية الصحية ازدراء لكرامة الإنسان, الخوف و عدم الأمان ازدراء لكرامة الإنسان, أقرب الأمثلة التي تواجهنا للآن حين قامت داعش بمهاجمة الأبرياء من أبناء الأقليات غير الإسلامية و تبعوهم بالمسلمين, أليس هذا ازدراء لكرامة الإنسان؟؟ ،
يامن ترفعون قضايا ازدراء الأديان لماذا لم تقم لكم قائمة و لم ترفعوا يداً و لا صوتاً تنددون بإزدراء الإنسان؟
إن ما يتعرضُ له المفكرُون، يؤكد أن هناك معركة حقيقية بين التنويرين والظلاميين، وهذه المعركة في حقيقتها هي معركةُ وطنٍ، وهذه المعركة الضارية تحتم علينا أن نصطفُ جميعا كتفاً بكتفٍ في محاولةٍ لإنقاذه من براثنِ التخلفِ والرجعيةِ والأصوليةِ الدينية، والتصدي للأصوليات الدينية التي تحاول العودة بنا إلى العصورِ المتخلفة عصور محاكمِ التفتيش
لقد آن الآوان لأن ننظر بنظرة جديدة لتهمة ازدراء الأديان, بخيث لاتكون سيفاً مسلطاً على تجديد الفكر الديني وإغلاق باب الاجتهاد, فقضايا ازدراء الأديان كانت في مجملها تلاحق المبدعين من الشعراء والأدباء و الصحفيين في الماضي، لكن الجديد اليوم أنها أصبحبت تلاحق دعاة تجديد الخطاب الدينيّ والذين يتصدون للتطرف وألغام التراث, وهذا إن دل على شيء, فهو يدل على أن العوار في القانون وليس فيمن يقوم بتطويعه واستغلاله فحسب, فكيف تسمح الدولة التي تحارب الإرهاب والتطرف بأن تبقي على قانون يستخدمه المتطرفون في سجن المفكرين والُكتاب والمدافعين عن مدنية الدولة؟ أليس من ازدراء العقول أن تطالب الدولة المفكرين بمناهضة التطرف وتطالب المجددين بتطوير الخطاب الديني ثم تُلقي بهم إلى السجن في ذات الوقت, بموجب قوانين رجعية دون أدني محاولة أو نية لتعديلها أو إلغائها؟ إن الدعوات التي تطال أصحاب الفكر والرأي تعمل على إبطال إعمال العقل في النصوص الدينية، في حين أن الله دعا إلى إعمال العقل والمنطق .
إن مصر اليوم أحوج ما تكون إلى ثقافة تنويرية تنعكس على طبيعة أحكام القضاء, لأن الأحكام الصادرة بحق عدد من المثقفين مؤخرًا, تُخرج مصر من طريق الحضارة, لذا لابد من إلغاء قانون ازدراء الأديان ونظام الحسبة لأن قوى الظلام والرجعية ونظم القرون الوسطى ستعربد في مصر والتاريخ سيقول الكثير عن عربدة قوى الظلام والرجعية ونظم القرون الوسطى المجافية لحرية الفكر وحرية التعبير في مصر .
إننا أمام لحظةٍ استثنائية تحتم علينا الوقوفَ جنبًا إلى جنب, لتأسيس وطنٍ قوامُه العقل, وسلاحُه التنوير, يحترمُ العلمَ ويقدرُ المبدعين، وبخلاف هذا فلا تقدم لنا ولا مكان لنا إلا في ذيل الحضارة وآخر الركب,لقد عاشت وأوروبا في تخلف كبير لمدة 400 عام, نتيجة تحالف السلطتين السياسية مع الدينية، وإذا استسلمنا لهذا التحالف في مصر فإننا سنعيش في ظلام لا نهاية له, ووقتها لن يُجدي البكاء على اللبن المسكوب والعقل المسلوب!!.
ادار المؤتمر الدكتور نجيب جبرائيل، رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، وبحضور أئمة وعلماء ومثقفين منهم الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، والقس رفعت فكري سعيد رئيس مجلس الإعلام والنشر بالكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر والدكتورة عزة فتحى على، أستاذة بكلية آداب جامعة عين شمس