“المدرسة الاكليريكية فى حاجة إلى أيدى الأمة القبطية متآزرة، متعاهدة، متواثقة على النهوض بها والوصول بها إلى المثل الأعلى الذى يرجوه لها الشعب القبطى المجيد، فما نهضته الا من نهضتها، وما رقيه الا من رقيها، وما مكانه الا من مكانتها، وهيهات أن يرقى شعب من دون أن يكون له عقيدة قوية وأن يكون له من منبعها خير عون وأعظم مصلح… ذلك مبلغ المدرسة الاكليريكة” …. هكذا كتب حبيب جرجس بمناسبة مرور 50 عاماً على انشاء المدرسة الاكليريكية عام 1938 وأصدر وقتها كتابا قيما بعنوان “المدرسة الاكليريكية القبطية الارثوذكسية بين الماضى والحاضر”.
أول مدرسة ذكرت فى التاريخ بما خرجت من جهابذة العلماء هى مدرسة الاسكندرية والتى أسسها مرقس الرسول وكان لها الفضل الأول فى محاربة البدع والضلالات والقضاء على الآراء الفاسدة التى تخالف التعاليم المسيحية وفى هذه المدرسة تعلم القديس اثناسيوس الرسولي، وكيرلس عمود الدين، وديونيسيوس، وغريغوريوس، وباسيليوس وكانت مدرسة الاسكندرية زعيمة العالم فى العلوم والمعارف وكانت الكنيسة القبطية زعيمة الكنائس فى العالم وتعاليمها هى السائدة وكانت الكنائس فى كل بقاع العالم تنظر اليها بإعتبارها الأصل العتيد والمنبع الصافى وما أن تلاشت مدرسة الاسكندرية وخبأ ضؤوها اللامع حتى قل سلطان الكنيسة القبطية وضعف وهكذا بقي الشعب القبطى فى إضمحلال وضعف مدة 15 قرناً من اضمحلال مدرسة الاسكندرية حتى عاد التعليم والمجد بإنشاء المدرسة الاكليرية التى لاتزال قائمة إلى وقتنا الحالى، وأسمى حبيب جرجس فترة توقف مدرسة الاسكندرية عن التعليم بعصر الظلام والركود والتأخر
عادت نهضة الإصلاح الجديدة فى الشعب القبطى عندما تولى طيب الذكر الانبا كيرلس الرابع كرسى البطريركية والذى اهتم بإعادة انشاء مدرسة أكليريكية تخرج رعايا صالحين ثابتين على الإيمان المسيحى ولكنه انتقل قبل أن ينفذ هذه الفكرة فأكملها البابا كيرلس الخامس وانشئت المدرسة الاكليريكية للمرة الأولى فى 13 يناير سنة 1875 وعهد إلى المتنيح الايغومانوس فيلوثاؤس إدارتها وكان طلابها من رهبان الدير، ولم يقبل عليها غير قليلون فلم تعش أكثر من بضعة أشهر ، ثم أفتتحت المدرسة الحالية فى 29 نوفمبر عام 1893 وأختير لها 12 طالباً و12 قسا وأسندت رياستها إلى يوسف منقريوس أفندى وكان مدرسا للغة الفرنسية والتاريخ المدنى بالمدرسة الكبرى ونص دستور المدرسة الذى وضعه حنا بك باخوم أاحد أعضاء اللجنة الملية انذاك على إلزام الطالب على تعليم اللغة العربية والقبطية وعلم اللاهوت والألحان والقوانين الكنسية والتاريخ العام وتاريخ الكنيسة والجغرافيا والرياضيات والخطوط العربية والأبقطى وفن الخطابة وتعد هذه المواد هى العلوم الأساسية وبعدها يختار الطالب تعلم أحدى اللغات الأجنبية على أن يكون مدة الدراسة بالمدرسة 5 سنوات والا يزيد عدد التلاميذ فى أول سنة على 40 تلميذاً وكانت السنة الأولى للمدرسة فى الفجالة سنة زاهية زاهرة امتلأ فيها الطلبة بالأمانى وفى السنة الثانية نقلت المدرسة إلى الدار البطريكية ثم إلى دار فى سوق القبيلة ثم أعيدت إلى الدار البطريكية ثم اشترى لها منزل خاص سنة 1902 بمهمشة ثم أعيدت أخيرا إلى الدار البطريكية .
وفى سؤال خاص أجاب عنه أحد أساتذة المدرسة ميخائيل اثناسيوس عما إذا قامت المدرسة الاكليريكية بدورها قال: نعم أدت المدرسة الاكليريكية رسالتها ولا تزال تؤديها على طول المدى ومر الزمان فهى السراج الوحيد الذى يضى بالوعاظ، فخرجت المدرسة الكثير من الوعاظ الذين أفادوا الشعب بتعليم الدين المسيحى، وكانت المدارس فى حاجة ملحة بمن يعلم الدين والعقيدة المسيحية فأمدتهم المدرسة بمعلمين أكفاء، وأيضاً اللغة القبطية كان مر عليها وقت طويل وهى مهجورة محبوسة عن الألسنة والتداول بين أفراد الشعب القبطى فأول من تودد اليها وأحياها هى “المدرسة الاكليريكية “.
وبعد رحيل حبيب جرجس تولي القمص إبراهيم عطية ادارة المدرسة حتى 30 سبتمبر سنة 1962 حيث رسم قداسة البابا كيرلس السادس الانبا شنودة أسقفا للمعاهد الدينية والتربية الكنسية وصار للاكليريكية اسقفا ثم بطريركاً “البابا شنودة الثالث” وإلى الآن لا تزال المدرسة الاكليريكية تؤدى دورها بتخريج وعاظ وكهنة وشمامسة وخدام ثابتين على الإيمان المسيحى .