مختارات من السيرة الملائكية … (4)كنيسة اسيوط : حكمة التدبير … قصة الكاهن الشهيد
† احاطت تدابير العناية الالهية بمطرانية اسيوط (كنائسها و شعبها) اواخر ثمانينات و اوائل تسعينات القرن الماضى … اذ امتزجت حرارة الصلاة مع تدبير الصوم و التقشف الرهباني فكانت مصدرا للقوة الروحية و نبعا اصيلا لعمل الروح القدس و المهابة التى توجت شخصية الناسخ العابد انبا ميخائيل الشيخ الجليل ذو ال 70 عاما. فانجذب الى دائرة عمل الله في كنيسة أسيوط و ميادين عمل الخدمة المتسعة و الشاقة لمدينة اسيوط و توابعها ( 13 ) قرية غرب و شرق بتنوعها و مجالاتها المتشعبة … كوكبة من ابرز شخصيات المجتمع الاسيوطى وشخصيات اخري مرموقة كانت تحظى بمكانة اجتماعية و مواهب معينة … رجالا في بؤرة الاهتمام و بروح افراز اباهم انبا ميخائيل المطران الجليل انجذبوا و ادخلوا تحت مظلة التربية بين يدي نيافته برابطة المحبة الأبوية اقتربوا بدون تكليف و وضعوا حياتهم و استثمروا خدماتهم ومواهبهم واعطوا من وقتهم و مجهودهم بسخاء لحساب الكنيسة … و بحكمة الرعاية التفوا و اصطفوا لطاعة الأبوة بعيدا عن المال و السلطة فبذغ فيهم روح ابوته و محبته و اطلق فيهم روح الخدمة فجاء انطلاقهم للعمل في مناخ شديد القسوة ما بين اجواء التطرف و مناج التعصب الديني و سلسلة الاغتيالات و الارهاب الفكري الذى اجتاح جامعات اسيوط و تسلل الى مجموعات الشباب خلف اسوارها و خارجها و خدموا فى تلك الفترة وسط دوائر متوترة سياسيا و تنفيذياً و امنيا .
† ابرز الشخصيات التى خدمت الكنيسة في هذه الحقبة تلك التى شكلت اعضاء المجلس المللى الفرعي لمطرانية اسيوط و هم الاستاذ صديق الباقورى المحامى نقيب المحامين و الدكتور لويس فايق نقيب الصيادلة و عضو المجلس المحلي لمحافظة اسيوط و الدكتور فاروق الميري الذى عاصر دورتين لمجلس الشعب خلال الفترة والاستاذ جمال عجيب هؤلاء و اخرين اصطفوا و تاّلفوا و عملوا في صمت على محورين : الاول :استحضار المعوقات و المشاكل و تبعات الخدمة و اعباءها و تلك التى تخص تعنت الاجهزة الحكومية بخصوص ملفات الاقباط او القرارات بشأن ترميم او بناء كنائس او مباني الخدمات ثم شكاوى و معاناه الشعب و خاصة فائت الطلبة الجامعيين المسيحيين اثناء تيارات التطرف و الاسلام السياسي داخل المدن الجامعية و المظاهرات خارجها .
† المحور الثانى : للعمل ان هذه الكوكبة شكلت دائرة التواصل و التحرك ما بين الكنيسة و شعبها من جهة و الدوائر و الاجهزة المحلية و التنفيذية و الامنية من جهة اخري اذ كان نيافة الانبا ميخائيل المطران الجليل لا يضطلع اطلاقا بمهمة طلب لقاء او ترتيب موعد مع احد المسئولين بالدولة على المستوى السياسي او التنفيذي او الامنى لطرح طلبات او شكاوى و يحرص تماما الا يكون طرفا في مثل هذه الامور و بوقار الابوة الروحية احتفظ لنفسه بمنهج الصلاة مع الاعتكاف في ادارة الازمات فكان اللقاء الذى يجمعه بالمسئولين فقط هو لقاءات الاعياد و المناسبات و كان شديد الحرص خلالها في عدم طلب ايه مطالب او شكاوى في مثل هذه المناسبات كما و ينبه على ذلك باصرار بحجة ان ( لكل مقام مقال ) و المناسبات فرصة لتبادل و تأصيل روابط المحبة و الود بل وهذا مجالها . بل يترك لهذه الكوكبة الاضطلاع بمهام التواصل اذ كان لها تدبيرا خاصا . و كل شخصية فيها تعلم جيدا و بدقة ما هو دورها و امكانيات تحركها في خطة متكاملة …
و يختار سيدنا الانبا ميخائيل المطران الجليل في وقت الازمات كيفية ادارة الازمة و وقت تدخله ـ بصفته مطرانا لأسيوط ـ اذا احتاج الأمر .. وذلك فى فترة عصفت انواء التعصب البغيض بكنيسة اسيوط و تضاربتها الامواج … فكان هؤلاء الرجال ظهيرا كنسيا يقف فى الثغر و يحمي الشعب اثناء العواصف و التيارات المضاده . وعند الصدام ( مع واقع معين ) كان يضطر انبا ميخائيل المطران الجليل الى غلق ابواب المقر ونوافذ الاتصال ليعتكف للصلاة ويكتفى احياناً بخط تليفونى مفتوح من جانبة فقط على ابناءه اعضاء المجلس الملى الفرعى وشخصيات اخرى .. واذا احتدمت الازمة يقوم بغلق الخط التليفونى ويصدر قرارة بوقف تحرك المجلس الملى تجاة المسئولين ويتحرك هو بنفسة فى اتجاة طلب اللة والاصغاء الى صوتة والتحقق من مشئتة حتى يلهمة التدبير الصالح والفكر الصائب وجرأه الرأى الحق التى كانت قوتة ويشهد له بأنة كان لايساوم ولا يحابى ولا يجامل احداً وينطق بكلمة الكنيسة الحق والتى كانت فى وقتها كلمة فاعلة ، قوية ، قادرة على هدم حصون الروتين والمعطلات التى تنخر داخل الادارات المحلية فى ذلك الوقت ( وكان شعبة يستوعب هذا جيداً ويتفهم الامر ) وعندما تبدأ بوادر الحل بتدخل السماء يبدأ نيافتة يختار بدقة التحرك المناسب وعلى أى مستوى يكون ليجدد نشاطة واتصالاتة عن طريق كوكبة ابناءه سواء عن طريق المسئولين المحليين بأسيوط او الوزارات المعنية بالقاهرة .
† حتى اصبحت مطرانية أسيوط خلال هذة الفترة ( دره الايبارشيات ) يشير لها القاصى والدانى بالبنان ، ويحسبون لشخوصها ( الف حساب وحساب ) الذين يصبحون معروفين لدى اجهزة الدولة بسمات اباهم نيافة الانبا ميخائيل المطران الجليل بالقوة والجدية . وأذ اتسعت الكنيسة ونمت روحياً ومعنوياً امتدت خدماتها وصارت اكثر اشراقاً ومهابة خلال تلك الفترة العصيبة من تاريخ الوطن وسلامة بنيانه الاجتماعى .. وافرز اجتماع الشباب بكنيسة الشهيد مارجرجس والذى كان له دوراً رئيساً فى الهام ودفع الشباب تجاة ثبات العقيدة ونمو الايمان فاثمر العشرات من الاباء الاساقفة والكهنة والمئات من المكرسين والبتولين خدموا فى انحاء الكرازة .
† ويروى اللواء جميل عشم اللة عن حكمة سيدنا أنبا ميخائيل فى التدبير خلال الفترة ( تذكار سيرة ابونا الشهيد مرقس خليل ) كالتالى :
† انة فى الساعة 5.45 صباحاً يوم الجمعة 21/6/1991 ( 14 بؤونة 1706 ش) كان القس فى طريقة الى الكنيسة ليصلى القداس كعادتة ، قام جماعة من الغوغاء بضرب القديس بآلة حادة فى رقبتة وبعصا غليظة على رأسة فسقط على الارض مضجراً فى دماءة . وكأنما اراد الغوغاء تقديمة ذبيحة حية لمخلصة على المذبح السماوى فسكبوا الكيروسين على جسدة وحاولوا حرقة بالنار ولم يكتمل الفعل بتدخل من اهل قريتة ونال اكليل الشهادة .
والقديس ولد بقرية كوم عباس ـ البدارى ـ مركز أسيوط عام 1905 بأسم سعد خليل فانوس وكان والده يعمل شيخ للبلد وعمل القديس مدرسأً فى شبابة من عام 1925 الى عام 1933 بعد تخلية عن عملة الحكومى . وخدم كواعظ متجول حوالى 20 عاماً بمحافظات الصعيد الاقصر وقنا وبهجورة أشترى قطعة ارض بنى ملجأ للايتام ومطبعة ونادى شباب موقعها حالياً كنيسة العذراء مريم ببهجورة وأسس جمعية بأسم القديسة العذراء مريم وأسس مشروع الرغيف واهتم بشئون الفقراء.
† قام نيافة انبا ميخائيل عام 1953 برسامتة كاهناً على مذبح الشهيد مابقطر بموشا بأسم القس مرقس خليل .. خدم قرابة 38 سنة كاهناً وصلى أكثر من 5000 قداس فى حياتة الكهنوتية بكنيسة موشأ ، حياتة التفقدية خدم وتفقد الشعب المسلمين والمسيحين من اهالى القرية مستخدماً الدواب وكان يجد أكراماً وأستحساناً وتربطة بأسر وعائلات القرية علاقات موده ومحبة يوم أستشهادة خرجت وراء جثمانة معظم عائلات القرية والقرى المجاورة لها لتطوف بأنحاء القرية مودعة اباها .
† ومن سمات عظاتة اسلوبة السهل الممتنع المشوق بالقصص البسيطة والامثال والسرد الجميل البديع مع العمق اللاهوتى . هو الاب الكاهن الوحيد من كهنة قرى الايبارشية الذى كان يحظى بأستضافة سيدنا أنبا ميخائيل مطران أسيوط من الواقع الريفى واعظاً بحسب ترتيبة للعظات الروحية بمدينة أسيوط فى لقاء مساء الثلاثاء بكاتدرائية رئيس الملائكة ميخائيل وانضم الى سلسلة الاباء قديسى أسيوط حيث استودع اسمة بتوجية من نيافة الانبا ميخائيل المطران الجليل ووضع ضمن باقة مجمع القديسين بصلاة طقس المجمع بالقداس الالهى حسب الترتيب الذى يبدأ بالقديس يوحنا المتوحد بجبل أسيوط والقديس جورج ثم القديس الشهيد مرقس خليل .
† يضيف اللواء جميل عشم اللة يوم استشهادة طلب اللواء حسن الالفى محافظ أسيوط (1990 ـ 1993 ) من أعضاء المجلس الملى ترتيب لقاءاً مع سيدنا ليعزية فى رحيل كاهن موشا فرد سيدنا بالقول نعم اهلاً وسهلا يتفضل فعندما دخل كان من طقوس لقاءات سيدنا ان لايقف للترحيب عند مدخل باب المقر بل يتوقف عند مسافة فى منتصف الصالون المخصص للقاء سيدنا بالمسئولين .
ودخل اللواء المحافظ كعادتة حتى منتصف موضع وقوف سيدنا قائلاً البقية فى حياتك يا سيدنا فرد بقولة لا ياسيادة المحافظ لاتقل لنا البقية فى حياتك .. بل قل ( مبروك ) انتم رفعتم شهيد للسما .. ده كان راجل شيخ كبير السن اظن انة كان فاضل فى عمرة اسبوع انتم باللى عملتوه اطلقتوه بسرعة للسماء شهيداً .. ماتقولش البقية فى حياتك بل قول لى مبروك فى الحقيقة الراجل دة راح السما ( كان ابونا مرقس قد تجاوز الثمانون من عمرة ) وفى نفس الوقت احنا من جانبنا بنصلى للى قام بالعملية دى بنصلى من اجله . احنا ماعندناش ضغينة لاحد ولاشئ مش كويس داخل نفوسنا ضد اى احد ولا اعتدنا الاحتفاظ به ( احنا مسامحين تماماً اربعة وعشرين قيراط والراجل القاتل دة كتر الف خيرة كان السبب فى انطلاق ابونا للسما ) اضاف اللواء جميل بالقول : فى حينها ( تجمد اللواء حسن الالفى فى مكانة ) وكست الحمرة وجهة واصيب بالحرج الشديد وتلعثم فى حديثة قائلاً مش عارف اقول اية وظل يردد بركاتك ياسيدنا .. مش لاقى كلام اقوله .. وجلس لدقائق ثم غادر المكان .
† فيما اذكر عقب سيادة اللواء جميل عشم اللة بالقول : فى الحقيقة كان موضوع بالغ الصعوبة ان شاب يخرج الى ابونا وهو فى طريقة الى الكنيسة باكراً جداً ، ويخرج سكيناً من جيبة ويطعنة بها وبعدين يشعل فى جسدة النيران ، ودة امر فى منتهى الصعوبة خصوصاً فى بلد قروى .. وأذكر أن معظم شعب القرية خرج فى وداعة والكل كان يبكى متأثر .. وخلصت التحقيقات الى أن الشاب الذى اقترف ذلك الفعل متخلف عقلياً وكالعادة ( المتخلف عقلياً ؟) كانت هى الواجهه والشماعة التى يعلق عليها المسئولين الجرائم ضد الاقباط .. وهذة كانت ( الموضة ) فى التوقيت ده .