في زمن العولمة.. نتقارب ونتفاعل دون أن نذوب ونفقد هويتنا
في بداية رهبنتي البابا شنودة قال لي: عايزك تبقي قريب مني
في أسقفية الشباب دائما نحرص علي البعد الوطني
الإنسان الذي يتعامل مع الله عنده صفاء نفسي وإمكانية تواصل مع الآخرين
أنصح الشباب بالقراءة ولكن بإرشاد روحي وانتقاء
الاختلاط ضرورة ولكن بشرط أن يكون نقيا مقدسا من خلال كل الأنشطة
أسقفية الشباب تاريخ يتميز بالعراقة والحيوية وهي بداية حقبة رائعة من رحلة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في رعاية الشباب.. يرجع ميلادها إلي عام 1980, أسقفها نيافة الحبر الجليل الأنبا موسي قيمة وقامة وتاريخ.. وسنوات عمر تلامست مع مشاكل الشباب وآلامهم, وامتزجت بالسعي المتواصل الجاد من أجل مساندتهم وإسعادهم.. حيث أضاف الأنبا موسي تألقا لمرحلة الشباب وبريقا من نوع بالغ الخصوصية, ونيافته غزير العلم ويتمتع بدرجة مبهرة من الثقافة وسعة الاطلاع.. كلما رأيته لا أملك سوي أن أردد الآية الرائعة: يتجدد مثل النسر شبابك. أسقفيته تشكل بانوراما الماضي والحاضر.. وكيفية الاستمرارية بين الإبداع والتشجيع والرؤية المستقبلية للشباب الواعد في إيبارشيات العالم, رحلة حياتية شكل العمق سطورها لتشرق في آفاق الحياة الروحية والنفسية والاجتماعية والشبابة وتفيض علي من حولها بالروحانيات المشبعة للعقل والقلب.. فمن يشبع بالحب الإلهي يفيض علي كل من حوله.. عظاته سلاسل ذهبية تخرج من العمق لتلمس أعماق القلوب فتلتقط منها الإحساس المطلق بوجود الله في حياة البشر.
استقبلني نيافة الحبر الجليل الأنبا موسي, أسقف الشباب, بابتسامته الأبوية الحانية كعادته مع تلاميذه, بل ومع كل من يعرفه أو حتي مع من يلتقي به لأول مرة.. ولنيافته مكانا ومكانة في قلوبنا.. فقد تتلمذنا علي يديه منذ شبابنا المبكر خاصة فيما يتعلق بخدمة الشباب, وهو دائم التشجيع والإرشاد لكل من يطرق بابه.. وقد شرفني بتقديم العديد من مؤلفاتي التي حرص علي قراءة أحرفها.. ومناقشتي فيها, والتشجيع الأبوي الحاني الذي يحفز علي المزيد من الإنتاج الفكري والأدبي والنفسي والروحي والإنساني.. والذي يثري الساحة الإنسانية ويدفع بالبشر للتغيير في رؤيته ووجهة نظره في الحياة إلي الأفضل والأعمق.
* حملت العديد من تساؤلات الشباب علي اختلافها رغبة في الإرشاد الروحي وهموم آلاف الشباب.. الذين يحلمون بإرشادهم إلي الطريق في دروب الحياة التائهة.
** ابتسم نيافته بأبوته المعهودة: إحنا عايشين في همومهم كل يوم ثلاث مرات قبل الأكل وبعده.. وأنا أرحب بكل أسئلتهم.
* في البداية نتعرف علي الظروف الصعبة التي بدأت فيها نيافتكم الخدمة بعد رسامتكم أسقفا عاما للشباب؟
** بدأنا الخدمة في عام 1980, في أثناء وجود قداسة البابا شنودة في الدير.. بسبب العزل في ذلك الوقت حيث مكث فترة بالدير, ولم يكف قداسته عن الخدمة حتي وهو في الدير, وبعد رسامتنا كنا نخدم, واستمرينا في الذهاب إليه في الدير وكان يعطينا توجيهاته ويسمع أخبارنا.. كان عايش جوه الكنيسة, ومثلما قال قداسته بنفسه: أنا عايش في قلبكم مش علي الكرسي.. الكرسي بتاعي في قلبكم, ولم يتمكن عدو الخير من الحرب ومن تعطيل الخدمة.
* في ظل المتغيرات المتلاحقة في عالم متناقض؟ يتساءل الشباب كيف كانت طفولة وشباب نيافة الأنبا موسي؟
** لست نبراسا لكنه تدبير الله, ببساطة أنا نشأت داخل عائلة متدينة.. ومنذ كنت طفلا كنت أذهب إلي مدارس الأحد.. ولأن الأسرة متدينة فكانت تفرح بذهابنا الدائم إلي الكنيسة, ولا يتدخلون في حياتنا.. وذلك الزمن البعيد كان منذ ما يقرب من ستين سنة.. وأنا مذهول مما كان يحدث وقتها.. فقد كانت تربية عجيبة متكاملة من خلال مدارس الأحد.. حيث كانت توجد الرياضة والثقافة.. الشعر والأدب والقصة وصحافة الحائط, فلم يكن لدينا في ذلك الزمان الكمبيوتر ولا الموبايل ولا حتي الآلة الكاتبة, وكذلك قاموا بتشجيعنا وأرسلونا لخدمة القرية وتدريس الأطفال بها وكان عمري وقتها 16 سنة, وأذكر أنني كنت أذهب باستمرار إلي ثلاثة مدارس أحد وليس مدارس أحد واحدة فقط, جمعية جنود المسيح القبطية الأرثوذكسية, ونادي مدارس الأحد, وبعدها استمريت في كنيسة مارجرجس بأسيوط, وقد تربينا في كنف القمص موسي وهبة, كاهن كنيسة خمراوية, وهو مشهود له لأنه أساس الخدمة, وكان مدرسا لنا في أسيوط, وعندما جاء إلي القاهرة حضرت معه من أسيوط إلي حمراوية للخدمة حيث رسم كاهنا ثم سافر للسماء.
* ما بداية رحلة التكريس والرهبنة كفكرة.. والخروج بها للنور إلي حيز التنفيذ وصولا للهدف؟
** أثناء دراستي في كلية الطب حضر أبونا متي المسكين وأعطي كلمة روحية, وكذلك د. وهيب عطاالله – الأنبا غوريغوريوس فيما بعد – وكانت الكلمة عن حاجة الكنيسة إلي مكرسين وهو كان مكرسا متبتلا, فشعرت في قلبي بأن هذا هو طريقي – سكتي – وبعد تخرجي من كلية الطب ذهبت إلي أبونا متي وأخبرته برغبتي في التكريس فقال لي: ربنا معاك, وأي طريق تختاره أنا معاك فيه, وكان لي أب اعتراف في بني سويف وآخر في القاهرة, وكنت علي اتصال بهما إلي أن أنهيت دراستي بالكلية, وشعر المهندس شاكر عبدالمسيح, بأنني محروق علي خدمة الشباب, فأسرع للأنبا أثناسيوس وحكي له فأرسل لي الأنبا أثناسيوس, وسألني: هل أنت مستعد للتكريس, فأجبته: نعم فسألني هل تحب أن تكون مكرسا أم كاهنا؟.. مثلما تريد سأحقق لك رغبتك, وأعطاني حرية مطلقة في اختيار مجال الخدمة, فقلت له: أنا أريد أن أخدم بالقميص والبنطلون علشان أقدر أجري وراء الشباب, وقد مكثت أخدم بالقميص والبنطلون 13 سنة (ثلاثة عشر).. وكنت قد كبرت فقلت لربنا أنا أحب أروح الدير أشبع.. وبالفعل ذهبت إلي دير الأناب صموئيل.
* كان لنيافتكم اشتياقات لربنا في تلك الفترة بالتأكيد؟
** التفرغ لربنا كان الأساس, والبتولية كانت الأساس ثم الخدمة أيضا, ثم كبرت ولا أستطيع الجري بعد بالقميص والبنطلون في الحواري والشوارع خلف الشباب, فقررت أذهب إلي الدير لأشبع بربنا, وأرسلت للبابا شنودة برغبتي في الذهاب للدير وأنني لا أريد سوي تحقيق هذه الرغبة الملحة, فوافق قداسته, وسألني: ماذا تريد؟ فقلت له أريد الذهاب إلي دير الأنبا صموئيل, فقال لي: لأ.. أنا عايزك تبقي قريب مني, عايز أعرفك عن قرب, فقلت له: يا سيدنا سيبني.. فقال: لأ.. خليك في أديرة وادي النطرون, فأخبرته بوجهة نظري قائلا: في وادي النظرون الشباب رايح جاي يا سيدنا هايعطلوني فقال لي: لأ روح دير البراموس, كان لسه هايعمر الدير, وأخذني معه في سيارته وأوصلني إلي دير البراموس, ومكثت سنتين في الدير وأنا راهب وبعدها قال لي البابا شنودة: تعال أنا عايزك تخدم معايا, فقال له: يا سيدنا سنتين رهبنة لا تكفي! فقلت لي: لأ كفاية كده ثم سألني: ماذا تحب أن تخدم؟ فقلت له: شباب يا سيدنا وكان جميلا أن أعطاني حرية الاختيار.
* ما الصعوبات التي واجهت أولي خطوات أو كادت تعرقل تصميم نيافتكم في بداية فكرة الرهبنة؟
** لم تكن صعوبات وعقبات بالعكس دي كانت نعمة كبيرة علي رأي البابا شنودة: الراهب ليس هو الذي ضحي بأن ترك العالم ونزل إلي الدير.. الراهب يضحي حينما يترك الدير وينزل إلي العالم. ودي حقيقة لأن العالم كله ارتباطات صباحا ومساء وشغل وخدمة وناس وطلبات ناس.. لكن في الدير متفرغ لربنا.. بيكون الوقت أكثر متعة بكثير عندما نقضيه مع ربنا, لكن الراهب ذبيحة, ولهذا يسلم نفسه لربنا ويقول له: ماذا تريد يارب أن أفعل؟
* دعوة نيافتكم للكاتب الكبير حمدي رزق إلي محاضرة لشباب الكنيسة في أبوتلات خطوة رائعة علي طريق الوطنية والنسيج الواحد.. حيث أخبرته نيافتكم بأن شباب الكنيسة يحتاجون أصواتا طيبة تحتضنهم, وتبدد شكوكهم, وتقف علي مشاكلهم, وتصحح كثيرا من أفكارهم عن أخوة الوطن فكيف أشرقت هذه الفكرة الذهبية وما صداها؟
** حدث هذا عدة مرات, ولأكثر من شخص إحنا في كل شغلنا في كل أسقفية الشباب دائما نحرص علي البعد الوطني وندعو كثيرا من إخوتنا المسلمين الأحباء ليتكلموا, وقد لا يعرف البعض بأن د. عمارة صديق شخصي محبوب جدا, بالرغم من أن الناس يعتبرونه متشددا لكن بيننا محبة كبيرة جدا.. وأذكر بأنني ذات مرة كان لدي البابا شنودة ضيوف مسلمين, وأثناء دخولي لأسلم علي قداسته أولا فوجئ بشخص يجري باتجاهي ويستقبلني بالأحضان قبل أن أصل لقداسته, وإذا به د. عمارة, فسألني البابا شنودة مندهشا: أنتم تعرفوا بعض منين؟ فأجبته: من المجلس الأعلي للشئون الإسلامية يا سيدنا, فسألني متعجبا: وانت بتروح هناك ليه؟ فأجبته: قداستك أرسلتني كممثل للكنيسة في الحوار الإسلامي المجتمعي, فكان قداسته سعيدا جدا أن بيننا محبة كبيرة بهذه الدرجة, وأنا تمتعت بمحبة د. محمد عمارة وأستاذ طارق البشري ود. سليم العوا, كلهم أصدقاء وأحباء, قد تباعد بيننا الأيام مع زحمة الحياة وكثرة المشغوليات, لكن فيه محبة كبيرة بيننا وبينهم.
* إلي أي اتجاه وصل الحوار الإسلامي المسيحي؟
** المحبة فقط, وماذا نريد سوي المحبة!.. نحن لن نغير أديان بعض ولا عقائد بعض.. حتي الحوار المسيحي لا أغير له عقيدته, لكن عندما يسألني عن القديسة العذراء مثلا, أشرح له, وهذا يعني تواصل, تفاعل, تفاهم, فهم للآخر, إذابة الجليد, دعم روح المحبة, لأن المحبة لا تعني التطابق, تعني التوافق, التكامل, التعاون, وهكذا…
* في رؤية نيافتكم ما الطريق الأمثل للوقوف ضد الفتنة الطائفية؟
** المحبة مفيش غيرها.. هما لما بيشوفونا بنحب بعض بيبتدوا يتعلموا المحبة.. مثلا شاب فاكر إن الشيخ ده بيكرهني.. فيكتشف إنه بيحبني من قلبه, وأنا بحبه من قلبي.. فيقول: صحيح. ما هو ده الصح.. إذا فالنماذج هي الأساس, كلما توجد نماذج من البشر قدوة للشباب.. يلتقط منهم الشباب كل شيء فورا, أكثر من أي تعليم, التعليم سيكون مخاطبة عقل.. ومفتاح العقل هو القلب.
* بعض الشباب يرون أن المسيحية حياة.. ويطلبون إرشاد نيافتكم لرغبتهم في التقرب من الله.. ويتساءلون كيف يمكنهم تطبيق المسيحية كحياة؟
** المسيحية دين وحياة.. وتطبيق ذلك في الحياة العملية يأتي بحضور المسيح الدائم في القلب والإرادة, هذه الثلاثية: المسيح داخل قلبي, المسيح في ذهني باستمرار وأردد اسمه, المسيح في تصرفاتي, شهداء ليبيا عندما كانوا علي وشك أن يذبحوا كانوا يرددون: ياربي يسوع المسيح ارحمني فإني خاطئ.. اذكرني يارب متي جئت في ملكوت.. المسيح في القلب, المسيح في العقل, المسيح علي اللسان, المسيح في التصرف.. شوفي تصرفهم كان حكيم إزاي!. يعني ناس كانوا بيذبحوهم وهما راجعين ويقوموا بتسليم نفسهم وحياتهم لربنا, دي طبعا قمة الإيمان, أين نحن من إيمانهم الجبار؟ فإذا المطلوب أن يكون المسيح في القلب وفي الذهب وفي الإرادة ثم يظهر ذلك في السلوك والتصرف علي الفور.
* هل يمكن تطبيق ذلك عمليا حتي مع ضيق الوقت لديهم؟
** ليست مسألة وقت.. لكنها حضور فعلي لا علاقة له بالوقت.. فعندما يرفع الإنسان قلبه للمسيح وهو يقول: ياربي يسوع.. سيأتي إليه في ثانية.. بل سيأتي إليه في فيمتو ثانية.
* يرغب الشباب في تكثيف العظات الكنسية التي تتحدث عن قوة الإيمان مثل التي تتحدث عن الأعمال, حتي يتكامل الإيمان والأعمال, فما رأي نيافتكم؟
** لدينا كورس ضخم اسمه الآباء المدافعون – الذين يدافعون عن الإيمان – وهو يتكون من عشرين محاضرة يتم تدريسه وموجود أيضا علي الإنترنت, ويقدمه أبونا متي بديع, حول كيف نتعرف علي الله من خلال العقل والعلم.. وليس التسليم الإيماني فقط.. وكذلك نيافة الأنبا بيشوي, مطران دمياط, عامل كورس مثل هذا حوالي 24 أربعة وعشرون محاضرة كلها عن العلم يثبت ويتحدث عن وجود الله, فالإنسان العقلاني, العلمي, العلماني عندما يقرأ هذا الكلام لابد أن يؤمن, لكن هذا لا يلغي أنه يتحتم أن يكون الشخص لديه الاستعداد أن يفتح قلبه لربنا لكي يأخذ عطية الله والروح القدس والإيمان الاختباري.. حيث لا يكفي الإيمان العقلاني.. الإيمان الاختياري أهم, فهذا التذوق يدخل داخل الدم.. فالمسيحية التي تتخلل الأعماق كلها بروح الله الساكن فينا, هي أقوي كثيرا جدا من الاقتناعات ومن الجدل الذهني.
* الإلحاد أحد مشاكل العصر التي أفرزتها التكنولوجيا المعاصرة المتزامنة مع الضغوط الرهيبة التي تثقل النفوس البشرية وتكبلها.. فما رؤية نيافتكم؟
** بالتأكيد في طرق أبواب كل الحلول علي التوازي, عندما نتحدث عن الإلحاد والرد علي الإلحاد عقليا, ينبغي أن أعطي اللمحة الروحية حيث يبدأ روح الله يعمل في داخله.. أما إذا رفض ربنا فلن يقتنع مطلقا مهما فعلنا, لأنه لا يريد أن يقتنع, ويريد أن يقتنع بذاته فقط, لكن ممكن تأتي لحظة.. يمكن يمرض فجأة, مثلا يصاب ببعض الألم كالمغص.. سيصرخ يارب.. ويلجأ إلي الله, ويحتاج هذا الإنسان إلي الصلاة.
* بعض الشباب يتساءل عن حياة التكريس ودور المكرسين والمكرسات في الخدمة الكنسية لأن لهم اشتياقات للتكريس؟؟
** طبعا دور المكرسين والمكرسات دورا ضخما جدا, خدمات متعددة يقومون بها, من بينها لدينا مثلا بيت للملائكة لتربية الفتيات الذين لديهن ظروف خاصة تشرف عليها المكرسات من سن حضانة إلي تخرجهن من الجامعة, وكذلك حضانة تضم حوالي من 150 إلي 200 من الأطفال, ولدينا مكرسات لزيارة المرضي, وزيارة السجينات في السجون, ويقمن أيضا بزيارة السجينات الغارمات في السودان, ويحاولن مساعدتهن, وطبعا موضوع التكريس يحتاج إلي صياغة داخلية من الله تدعوهم لأن يتبتلوا أو يتزوجوا.. نداء داخلي يتجاوب معه الإنسان بإرشاد أب اعترافه حتي يتمكن إلي الوصول إلي قرار ومتي ينفذه وفي أي كنيسة.
* بالنسبة لتثقيف الأقباط سياسيا.. وتفعيل دور الشباب سياسيا وإعلاميا وثقافيا المجتمع؟ ما رؤية نيافتكم؟
** تعلمين أنه لدينا مجموعة من الأنشطة اسمها المشاركة الوطنية ومقرها بأسقفية الشباب, والمسئول عنها الأستاذ سمير ذكي ومعه مجموعة كبيرة من الخدام والمتخصصين في هذا المجال, حيث يقومون بإعطاء كورسات في التثقيف الوطني لشبابنا.. مثلا كورسات في تاريخ مصر الحديثة, وفي دور الأقباط في مصر الحديثة, وفي المجالات التي نقدر أن نخدم فيها الوطن, ولديهم عمل كثير في هذا المجال.
* قمتم بتكريم وزير الثقافة والمفكر حلمي النمنم والذي ذكر بأن نيافتكم ونشاط أسقفية الشباب أصحاب فضل علي الثقافة المصرية ودعم الفرق المسرحية ودعم الشباب؟
** هو يحضر لقاءاتنا, وقد قمنا بتكريمه لدوره الثقافي المتميز في الثقافة المعاصرة فهو منفتح جدا وملتزم جدا.. وهذا هو المطلوب في العصر الحالي أن يكون الإنسان لديه انفتاح علي الثقافة عموما وأن يكون أيضا ملتزما بقضايا المجعتمع وظروف واحتياجات المجتمع, وحتي السلبيات التي قد تكون موجودة, علي الإنسان أن ينتبه لها ويعالجها, وهو أيضا صديق عزيز وله دور ثقافي ممتاز في مصر, وأنا أعتقد أنه كان لدينا ركود ثم بدأ هذا الركود يتحول إلي يقظة ثقافية, ولو قرأتي الجرائد ستجدي كلاما كثيرا عن الجهود التي يبذلها وزير الثقافة في هذا المجال في وقتنا الحالي.
* الزيارة الرعوية لأستراليا جاءت بعد أزمة صحية مررت بها نيافتكم.. ألم يكن من الممكن تأجيل الزيارة بعد تماثل نيافتكم للشفاء بفترة زمنية؟؟
** ضحك نيافته طويلا ثم أجاب: أنا أصلا عندي حاجة وراثية هي الكوليسترول والضغط, وكنت مداوما علي علاجات عادية مثل أي مريض, لكن حدثت عدة أزمات حادة استدعت توسيع الشرايين, ويشاء ربنا أن يكلمني تليفونيا أبونا أنطونيوس ثابت من لندن ويقول لي’ د. ميشيل حنا بيقولك تعال الآن, واستقل الطائرة الآن فورا لأنه في انتظارك بالرعاية المركزة بلندن, وبالرغم من أن هذا الموضوع لم يخطر ببالي إلا أنني أذعنت لهذا الطلب, وفي خلال ساعة كنت بالمطار وخلال خمس ساعات وصلنا لندن.. ساعة في الرعاية المركزة ثم خلال ساعة كان يقوم بتركيب الدعامة لي وقد قال لي إن شريانك مسدود بنسبة 95% يعني خلاص.. ونشكر ربنا إحنا ملكه.. كويس كويس.. أنا شفت كل حاجة علي الشاشة بطريقة لندن الجميلة.. شاهدت الشرايين وهي ضيقة جدا ومنكمشة وعضلة القلب بيضاء لا يصلها الدم, ثم دخل الدكتور بالدعامة وراح فاتح الشريان المسدود وأزال الجلطة, وأنا أشاهد كل ما يحدث علي الشاشة.. الأجمل من مجرد الحكاية أن تشاهدي الدم يتدفق وعضلة القلب قد أصبحت حمراء واشتغلت, وقد قال الطبيب إنه قام بعمل دعامة 3 مم لي, لأنه يوجد جزء في الشريان كلما كان الدم يأتي فيه يتجلط وهذا سبب المتاعب, فكان لابد أن يضع الدعامة 3 مم لكي ينزلق عليها الدم, والحمد لله نشكر ربنا.. إحنا ملكه.
* حدثنا نيافتكم عن الزيارات الرعوية في مصر والخارج ونحن نعلم أن نيافتكم لا تعرف معني الراحة من أجل الخدمة بصفة عامة, وخدمة الشباب بصفة بالغة الخصوصية؟؟
** أبدا.. أنا بالفعل مرتاح, لا أشعر بأنني أعمل جهدا أكثر.. لكن في الأساس العمل في حد ذاته فرحة وبركة ونعمة.. عندما ترين الشباب قدامك يحيوكي.. فتشعرين بالحياة, تشاهدين الذين يخدمون الشباب.. تفرحين أن فيه ناس بيخدموا الشباب.. تشوفي الآباء الكهنة كيف يعاملونهم ويحتضنونهم بأبوة تشعرين بالسعادة.. عدد ضخم جدا.. أنا لا أقصد أن أذكر هذا, لكن يحضرني الآن ما ذكروه لي عن مؤتمرات الشباب في أمريكا.. حيث أخبروني أنه في جزء صغير يعتبر 7/1 سبع أمريكا تقريبا أفرزت مؤتمرات الشباب هناك فقط عن رسامة 25 كاهنا من الشباب, وهذا يؤكد أن الشباب ينتعش.. يخدم.. ثم يختاروه للكهنوت فيبحث عن الشباب ويخدمهم, وهكذا تبقي الحلقة مستمرة.. فالشباب هم نهضة الكنيسة وهم المستقبل. ومازالت فرحتي أن أجلس مع الصغار.
* هل تتذكر نيافتكم كم بلد وكم قارة خدمت فيها؟
** لا أذكر عددا لكن تقريبا أغلب الكنائس في العالم قمنا بزيارتها.. عام 1989, أنا زرتها مع قداسة البابا شنودة في رحلة الـ112 يوما, لم نذق فيها النوم, زار قداسته ونحن معه كل كنيسة في أنحاء العالم, كانت رحلة جبارة رحلة الـ112 يوما, وقداسته لم يكن ينام.. كنا تسعة أساقفة.
* بالتأكيد نيافتكم لمستم كم كانت فرحة الناس؟؟
** كانوا في حالة من السعادة المذهلة وكل فرد كان يريد أن يسلم علي البابا شنودة.. الآلاف.. وأحيانا كان يبلغ عددهم أربعة آلاف, والكل عايز يسلم علي قداسته.. طب يسلم إزاي؟؟ في الأول كان يسلم ويعطي صليبا لكل فرد.. ثم لم يعد يتمكن من رفع يده ليسلم.. فكان يسند يده علي مسند, ويعطي الصليب من بين أصابعه, وهم يقبلون يده لأنه لم يعد يقوي علي رفعها بسبب الأعداد الهائلة من البشر, كان جبارا في خدمته.
* في رؤية نيافتكم كيف يمكن للشباب الانتفاض من مشاكله النفسية وهزيمتها وإعادة صياغة رؤيته في الحياة؟؟
** علي الشباب أو الشابة أن ينتبه.. هذا الأمر يحتاج إلي صحوة, يسأل نفسه: أين أنا؟ مثل الابن الضال يبحث عن السلبيات التي بداخله؟ ويراجع من هم أصدقائه المحيطين به؟ وما أسباب بعده عن الكنيسة.. وبعده عن الله.. صحوة من قلبه: أين أنا؟.. بعد الصحوة سيعرف أنه يسير في الطريق الغلط.. حينها يأخذ قفزة.. لأن الشيطان يريد إرجاعه فيأخذ قفزة إلي طريق ربنا حتي لا يعود مرة أخري.. هذه القفزة تتيح له الاستمرارية في هذا الطريق الجديد, بعد الخلوة مع ربنا, ثم الآباء, وأب الاعتراف, ومع الجو الكنسي, واجتماعات الشباب, والكتاب المقدس, ووسائط النعمة كلها, فهي منظومة في خطوات متتالية, تبدأ بالصحوة ثم القفزة ثم الاستمرار في الطريق الجديد ثم الشبع الروحي بوسائط النعمة ثم الإثمار في الحياة والخدمة.
* في ظل عالم يصعب فيه ألا يغضب الإنسان.. كيف يمكن للشباب أن يقتني الثبات الانفعالي والسلام الداخلي, خاصة وأن الاندفاع والتمرد هو من سمات مرحلة المراهقة والشباب؟
** الكتاب المقدس قال والآباء قالوا لا سلام قال إلهي للأشرار.. الذي يعيش في الخطية كيف يحصل علي السلام؟.. ضميره تعبان لأنه بيغلط.. والجو من حوله يدفعه أكثر إلي الغلط.. فيتعب أكتر.. فيعيش في حلقة مفرغة. لو خرج من هذا الأسر.. من هذا الإطار.. من هذا السبي, واتجه ناحية ربنا هايبتدي يدوق حلاوة ربنا, بمعني الجسد والدم, والصلاة, والإنجيل, والخدمة, والحياة الكنسية, والحياة مع أصدقاء جيدين, يدوق حلاوة هذا الأكل الجديد.. خلاص بقي ما يرجعش للقديم تاني, خرنوب تاني لأ, ويبتدي يقولك لأ.. أنا هاقعد هنا علي طول. فنقول له أنت هتاكل وتنام؟ لا كل وانزل اخدم.. دور علي إخوتك, فيبتدي يخدم.. هي منظومة متكاملة تسير أوتوماتيكيا.
* وماذا نيافتكم عن علاج الغضب؟ هل يحتاج الشاب إلي مساعدته علي الخروج من ذاته؟
** نعم الخروج من الذات, ونحن نطلق عليها الخروج من شرنقة الذات الغضب دليل الذاتية.. فالإنسان طالما كان منكفئا علي ذاته يكون متوترا جدا, لكن لو خرج من ذاته, يكون متفهما للأمور, علاج الغضب ليس بأن يصارع الإنسان ضده وينفعل, لأن هذا سيؤدي به إلي المزيد من الغضب والتوتر, لكن الأفضل من ذلك أن يخرج من ذاته إلي المسيح والآخرين, سيجد ناس حلوة والمسيح حلو, ويلاقي نفسه هادي وفي سلام, وكل من سيأتي إليه سيجد المسيح الحلو, لأنه إذا هو انكفأ علي ذاته سيتوتر ويتعصب ويتشنج.
* في ظل إعصار العنف الذي يجتاح العالم.. كيف تري نيافتكم إمكانية إعادة تأهيل وبناء الشخصية الإنسانية, خاصة شخصية الشباب؟
** من غير ربنا لأ.. وعلي فكرة ربنا بتاع كل الأديان بمعني أن هذه النصيحة لكل الناس من كل الأديان.. من غير ربنا داخل الإنسان ومعاه, سوف تحيي الذات وتدمره وتدمر الآخرين, استبدال ده بده هو ده الحل.. إن أي إنسان مهما كان دينه, يبص لربنا دايما, يكلم ربنا دايما.. يبقي عنده سلام وصفاء نفسي وإمكانية تواصل مع الآخر, ده لكل الأديان, يمكن في المسيحية عندنا ميزة شوية أكثر إننا نشعر أن ربنا جوانا وبيسكن في داخلنا, وكمان عندي الاعتراف.. لما أغلط أروح أقول له, وكذلك عندي وسائط النعمة المختلفة والإنجيل والصلاة والخدمة وغيره, بمعني لا عذر بصراحة.
* هل هذا يعني أن يعيد اكتشاف نفسه لكي يستكشف مواهبه الممنوحة من الله؟
** بالضبط.. بأنه يقعد مع نفسه شوية ومع ربنا, لأنه لو جلس مع نفسه فقط إما سيجد مميزات فيتكبر, أو سيجد ضعفات فيصاب باليأس, ولهذا فالأفضل أن يجلس مع ربنا.. فعندما يجد مميزات يشكر الله الذي أعطاه هذه المميزات, وأما الضعفات فسيطلب من الله أن يساعده ليخلص منها, يجلس مع الله, ومع النفس والله, ثم مع أب الاعتراف, وعندما يجلس مع أب الاعتراف, ويكون كاتب الخلاصة في نقاط قليلة وبطريقة شفرية حتي لا تقع في يد أحد.
* أذكر بأن نيافتكم أول من نادي بالاختلاط في الكنيسة منذ سنوات بعيدة؟
** أنا كخادم شباب وقارئ بعض الشيء في التربية والتربية النفسية وغيرها, وكنت أعرف بأنه إما أولادنا يختلطوا داخل الكنيسة في جو صحي, أو يختلطوا خارجها.. والاختلاط في الداخل تدريب علي الاختلاط في الخارج.. وهذا منهجي ورؤيتي, وأعتقد بأن الكثيرين قد اقتنعوا بهذه, وأصبح الآن الختلاط في كل كنيسة.. هذا احتياج سيكولوجي إنساني للجنس الآخر, فإذا أنا حرمته منه سيبحث عنه في الطريق.
* نيافتك أوحيت بسؤال يدور في ذهن الآباء والأمهات ويحتاج إلي إرشادكم, وهو خاص بمشكلة خطيرة وهي الجنسية المثلية, والموجودة حاليا في مرحلة الطفولة, وكيف يتم التعامل معها بأسلوب علمي مبسط؟
** هذا طبيعي من الناحية السيكولوجية.. ففي مراحل نضوج الشخصية في سن المراهقة, يكون الميل إلي نفس الجنس في بداية الشباب نتيجة لكونهم كانوا أصدقاء في الطفولة ونضجوا معا.. ومن المحتمل أن تحدث بعض الأخطاء البسيطة.. لكن فورا إذا كان الشاب مرتبطا باب اعتراف, فهو يرشده: اطلع بسرعة من هذا الطريق المسدود, واحترس من أن تنزل في بئر سيئة, ويجذبه إلي الاختلاط الصحي بالكنيسة.. ثم يبدأ في التفكير في الجنس الآخر, ويساعده الله علي السير في الطريق الصحيح, عندما بركة الاعتراف, إن أي حاجة غلط أقولها لأب اعترافي مبكرا يتم علاجها بسرعة, بدال من أن تستفحل ويكون علاجها صعبا, وكل كهنوتنا كهنوتا ممتازا ومثقفا ومختبرا ودارسا وحاصلا أيضا علي كورسات, وكذلك نحن نستغل العظات والاجتماعات لتوعية الآباء والأمهات.
* في رؤية نيافتكم كيف يمكن علاج السلبية والروح الانهزامية في الشباب وكذلك الكلمات المحبطة أمثال مفيش فايدة.
** عندنا آية نضعها دائما أمام أعين الشباب: ليقل الضعيف بطل أنا, ولدينا مؤتمر بهذا العنوان, ونحن نرشد الشباب إلي أنه ليس بطلا معتمدا علي ذاتيته, لأنه ضعيف.. لكنه بطل بربنا. ونبدأ في توجيهه إلي الإحساس بالنصرة في المسيح. بالقدرة في المسيح: بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئا, ويشعر بقيمته ويلاقي نفسه في المسيح.
* متي أطلق مهرجان الكرازة شعاعه المضئ لأول مرة؟ وكيف أشرقت فكرته؟
** يرجع تاريخ تأسيس المهرجان إلي عام 2000, وقد بدأت فكرته عندما طلب أبونا بيجول بكنيسة مارمينا بشبرا أن ينظم مسابقات بجوائز لشباب ثانوي بشبرا, ولأنها فكرة جميلة, قررنا أن نجعلها للقاهرة أيضا, ثم للقطر كله, ثم للمهجر, وهكذا تطورت الفكرة لتصبح مهرجانا ضخما, وقد أخبرنا القائمون علي مسابقات المهرجان بأن مستوي المشاركين, المعلوماتي وأيضا الروحي, قد تحسن كثيرا, لأن الطفل يبدأ منذ مرحلة الحضانة بالتواجد في الكنيسة ويدرس, ودراسته لا تعزله عن المجتمع ولا عن الثقافة فينشأ شخصية متكاملة تكبر بمرور الزمن في المهرجان بنجاح, والفائزون يسلمهم قداسة البابا تواضروس الجوائز والكئوس, فطبعا التنافس والتجمع مهمان جدا ويعتبرا مفتاحين للشباب.
* هل تدعون نيافتكم شخصيات عامة في ختام المهرجان؟؟
** دائما ما يحضر وزير الشباب والمحافظون وهم يفرحون ويفخرون بالشباب, ويحرصون علي المشاركة بالحضور.
* أنقل لنيافتكم شكوي من قيام بعض الخدام بإعطاء الإجابات للمشاركين في المهرجان سعيا وراء فوز كنائسهم بالكئوس؟
** قد يحدث هذا الخطأ الكبير دون قصد من الخدام, وهذا يؤدي إلي غلطتين, أحدهما أنها تعلم الأطفال الغش, والأخري تجعله يتفوق بالغش, وهذا شيء خطير, وقد يكون هذا الأمر حاصلا في بعض المدارس, وهم يقلدون المدارس أحيانا, لكن هذا أيضا بالنسبة للشخص يفقد هدف المهرجان, الفكرة أنه علينا توجيه الخادمة التي تخطئ في هذا الأمر إلي الاهتمام بحياتها الروحية لحياتها الشخصية, وكقدوة ولحياة الأولاد.
* ما إرشادات نيافتكم للشباب للوقوف علي أرض ثابتة والتخلص من أزمة الهوية وإيجاد هدف للحياة لعبورها وقد ذكرت نيافتكم ذات مرة أنه أخطر ما في العولمة: ذوبان الهوية
** تطلق كلمة العولمة علي الثقافة الكوكبية أو العالمية, بمعني أن الكرة الأرضية قد أصبح لها ثقافة واحدة, وعندما أصبحت ثقافة واحدة يذوب خلالها كل شيء, الأولاد, والأديان, والعقائد, والقوميات, والأخلاقيات, ونحن لا نرفض التقارب, لكن يجب أن نتقارب دون أن نذوب, نتفاعل ونتحاب دون أن نفقد هويتنا, وإلا ستكون هناك خطورة لأن الإنسان لو فقد هويته بيفقد ذاته ويجد نفسه ذائبا, ولا يشعر بوجوده أبدا.. لكن التميز بناء, ولكن دون التقوقع ودون كراهية الآخر, ويحمل المحبة للكل.
* كيف يمكن تفعيل خدمة الخروف الضال الذي تربي في حضن الكنيسة ثم شرد بعيدا لسبب أو لآخر؟؟
* إحنا كنا عاملين خدمة العمل الفردي ونقصد بها المدمنين, والذين لا يذهبون للكنيسة, والذين يعرفون أصدقاء السوء, وكان لهم خدام متخصصون, يفتقدونهم لكي لا ينجرفون في الطريق الخطأ وهي خدمة غير معلنة حتي لا تتسب في حرج المخدوم.
* تحت عنوان الأنبا موسي يحذر الفتيات القبطيات.. ذكر أحد المواقع بأن نيافتكم قد طالبت الفتيات المسيحيات بعدم وضع صورهن علي المواقع الإلكترونية؟
** في الواقع أنا لم أفعل هذا.. هناك من كتب هذا علي الإنترنت.. لكن أنا قلت: ولم لا.. هذا تحذير جيد, لأن الفتاة عندما تضع صورتها 100 شخص سيشاغلها, ويخدعها من خلال ادعاءات كاذبة كثيرة بزعم أنه يرغب في الزواج منها, وإذا حدث وإن اكتشفت الفتاة مؤخرا خدعته, ربما تكون قد تورطت عاطفيا وقد تصبح المشكلة متفاقمة, ونحن ننبه الشباب بأن الزواج يحدث عن طريق التواجد في مجتمع مناسب صحي وسليم اجتماعيا من خلاله يتعرفوا ويتزوجون, حتي لا يقعون في مطبات, ويتعلمون بالضبط كيف يختارون.
* لأن نيافتكم قدوة متميزة للشباب.. فهناك تساؤل يفرض نفسه وهو كيف يمكن للشباب أن يتمتع بالثقافة الموسوعية مثل التي تمتلكها نيافتكم؟
** لا أبدا.. القراءة.. القراءة.. القراءة.. دون حدود لكن بإرشاد روحي وبانتقاء, أنا كنت دائم القراءة وأتمني أن يقرأ كل الشباب, ونحن قد تعلمنا من أساتذاتنا.. علمونا أن نوسع مداركنا بالقراءة وبالثقافة وبالمسابقات.
* في إطار تبسيط العلوم قدمت نيافتكم العديد من الإصدارات التي تفسر اللاهوتيات.
** الموضوع ببساطة أننا نبحث ماذا يريد الشباب؟ ثم نكتب لهم, وقد تعلمت ذلك من المتنيح الأنبا أثناسيوس, ولا أنسي مطلقا عبارته, فقد كان يقول: نحن شعب يتكلم ولا يسجل, بمعني أننا قد نتحدث كثيرا بتعاليم حلوة لكن لا نكتبها للأجيال القادمة, لأنه هو نفسه قال عظات لا حصر لها ولم تكتب كلها, وبدأوا الآن في إصدار شرائط وكتب من عظاته والتي تعد جواهر, ولأنني لم أنس عبارته تلك فحاولت أن أسجل بقدر استطاعتي.. لأن العظة قد يسمعها 200 أو 300 شاب, لكن الكتاب يستفيد العديدون منه ويمكث لسنوات طويلة وكذلك عندما يتم تصويره بالفيديو يراه الناس وتعم الاستفادة, وهكذا, الفكرة نشر الثقافة الكنسية.
* كيف نشأت فكرة مكاتب التوظيف بالكنائس؟.. وهل هناك اتجاه لتطويرها بمعني إنشاء مشاريع جديدة تواكب احتياجات سوق العمل للشباب؟
** نحن دائما نحاول المساعدة, لأن ده مطلوب, ولدينا مجموعة كبيرة اسمها التنمية الثقافية, ولها نشاط ضخم, لكن بهدوء, ولهم موقع بأسقفية الشباب والمسئؤل عنها الأستاذ عادل رشدي ومعه عدد من الإخوة, وتعتبر مكاتب التوظف نشاط من سبعة أنشطة, وفيه شغل كتير في هذا المجال, ويتم تقديم محاضرات من المتخصصين ورجال الأعمال.. يشرحون كيف يبدأ الشاب مشروعا صغيرا, وكيف ينجح ويستمر فيه, وكيف يأخذ خبرة من الآخرين ليعرض منتجاته وهكذا.. أصل إحنا اسمها مساعدة فقط.. المفروض تتم بطريقة كريمة ومحدش بيعرف, بتكون حاجة بين الكنيسة وبين أولادها.. تعلمنا من أيام المتنيح الأنبا صموئيل بدلا من أن تعطيني سمكة علمني كيف اصطاد, الشغل اليوم لا يفي بالاحتياجات ممكن أستاذ جامعة ولا يكفيه راتبه.. لكن الحرفة الآن هي الأساس.
* في رؤية نيافتكم لماذا تراجعت الإنسانيات في ظل عالم شبه مكبل عاطفيا عاطفيا, ومشدود إلي السعي المتواصل والحفر في صخور الحياة بحثا عن لقمة العيش..؟
** “لأ.. هي بس الحياة بقيت صعبة.. لقمة العيش صعبة حتي في أغني الدول, فبقي النهاردة علشان يجيب لقمة بيتعب بيتعب, فمعندوش وقت للعاطفيات, ولا للروحيات, ولا للإنسانيات.. دي مصيبة.. لكي نصلي يارب اعمل.. وأنت تعلمين أنه يوجد ركود اقتصادي رهيب في أوروبا.. إفلاس.. بعض الدول في أوروبا قد أفلست بالفعل,, وبدأ يوجد فيها إرهاب”.
* ما رأي نيافتكم في النغمة السائدة التي تنادي بتجنيب وإبعاد الكبار عن كل مواقع المسئولية وترك الساحة للشباب؟.. وهل يمكن ترك مقاليد الأمور للشباب دون تدريب أو خبرة أم يعمل كليهما علي التوازي؟
** عمل الكبار مع الصغار ليس علي التوازي, لأن علي التوازي لن نلتقي لكي نتواصل, بمعني أن يقابل الكبار الصغار في منتصف الطريق ثم نتفاعل معا ثم نتكامل مع بعض, الكبار يعطون خبرة والشباب يعطون الحيوة, يستحيل أن يستغني إحدهما عن الآخر ماينفعش.. ما تمشيش الحياة.. لو خبرة بس هايبقي محلك سر.. لو حيوية بس هانخبط في المحيط.. الاثنين مع بعض يبقي فيه تحرك محسوب وبناء.
* قل كلمة فيبرأ غلامي قالها قائد المائة للسيد المسيح.. مطلوب من نيافتكم كلمة للشباب في ظل العالم المتصارع لتمنحه الصفاء والسلام الداخلي رغم الانفعالات الصاخبة من حوله؟
** الكلمة باللغة الإنجليزية Word بالأحرف الصغيرة Small أما اللوغوس The Word فهي بالأحرف الكبيرة Capital.. إذا أعطيت الكلمة التي تصدر من فمي بالكلمة الله الكلمة.. الله يحل في الإنسان بالكلمة التي تلمأ فكره وقلبه وإرادته فيعرف المسيح قلبيا.. ويحب المسيح هذه الشخصية الجميلة يدرسه ويعرف أنه الإله المتجسد.. فيبدأ في طلبه: اشتغل معايا. اعمل معي.. ويبدأ يعمل.. فهو يعني عملية تربية مش مجرد معلومات وداتا Data.. نعيشه فيها.. لكن حياة.
* السؤال المزمن في أوساط المراهقين والشباب ما حدود الصداقة بين البنين والبنات علي اعتبار أنها قضية قد تم التسليم بوجودها علي أرض الواقع؟
** ببساطة.. الصداقة تيجي بالتقارب بين الجنسين في الكنيسة ليتعلم الاختلاط السليم.. في سن ثانوي لا يكون اختلاط مستمر, لكن أتيح لهم الفرصة لتذوق الاختلاط السليم من خلال مؤتمرات كنسية مختلطة وندوات شهرية علشان يقربوا كنجسين من بعض.. طبعا هما مش مستنينا.. فهم يلتقون في كل مكان.. فأنا لا أعيش الوهم.. هما مختلطين بالفعل already خاصة في هذا الزمن بخلاف زمان.. فأنا أجعل هذا الاختلاط نقي ومقدس داخل الكنيسة من خلال كل أنواع الأنشطة.. مش علشان أعزله عن المجتمع لكن علشان أكونه وأساعده علي التكوين, ثم أدعه يختلط في المجتمع, هو طالع مستمر.. في المدرسة هايقابل ناس في الجامعة هايقابل ناس.. في النوادي.. وخلافه.. يبقي مكون صالح للتفاعل.
* ما أمنيات وأحلام نيافتكم للعالم وللكنيسة وأمنيات نيافتكم الشخصية؟
** ليس لي أمنية شخصية سوي أن يجعل الله وجودي له فائدة بنعمته.. أما بالنسبة للعالم وللناس ياريت كل واحد يعرف ربنا.. يقبل ربنا.. يسكن فيه ربنا.. يعمل بقوة ربنا.. علشان يبقي سعيد ويسعد الآخرين بربنا.