كان المتنيح البابا شنودة رجل التعليم.. الذي تتلمذ على تعاليمه أجيال كخدام للكنيسة من خلال اللقاء الروحي كل أسبوع منذ أن كان أسقفا للتعليم وحتى نياحته.. فكانت كلماته ومؤلفاته الروحية والشعرية لها أكبر الأثر في نفوس وحياة شباب وشابات الكنيسة الأرثوذكسية.
وقداسة البابا شنودة كان موسوعة ثقافية وروحية بمعنى الكلمة وذلك لدراسته الجامعية للتاريخ الوطني والكنسي.. وكثيرا ما درس وقرأ في مجالات عديدة ..وتأثر بحضاراته الفرعونية والقبطية وحتى الإسلامية.. وظهر ذكاؤه وموهبته التي منحها له الله في قيادته للكنيسة بشجاعة وصدق وجرأة في الرأي..ومثال نادرا للفكر والتواضع والوفاء..حيث عطاؤه المؤثر للأرض التي أنجبته..ومن أقواله المشهورة “مصر ليست وطن نعيش فيه.. بل وطن يعيش فينا”.
جاء البابا شنودة في حقبة مهمة في تاريخنا المعاصر حيث كان علامة مضيئة في العالم العربي والغربي بقيمته الأخلاقية وقامته الفكرية..فهو منارة ظلت تشع بضوئها لنحوأكثر من نصف قرن دون كلل.. فقد صنع له تاريخ، ولم يصنعه التاريخ .. كان مملوءا من الروح القدس ، الذي أمده بالقوة والحكمة والمعرفة.
ترك لنا البابا شنودة قيمة واضحة في واقعنا الإجتماعي والأخلاقي والروحي ، وكان واحد من القمم في مصر جعلته يدخل القلوب في كل بلاد العالم .. ولقب ببابا العرب .. وأدى بمواهبه وحبه لكل الناس رسالته الروحية وواجبه لوطنه ومواطنيه على أحسن وجه بكل إخلاص وأمانة.. علم وشرح العلوم اللاهوتية ببساطة وعمق .. ورسالة الكتاب المقدس، وحافظ على الشعلة المقدسة لكنيستنا القبطية الأرثوذكسية.
إلى جانب تسجيله تأملات روحية سامية وعميقة.. سواء في الكتب أو دواوين الشعر، فدعم الإيمان القلبي بالإقتناع العقلي بمقالاته وعظاته الروحية.. وصلاته من أجل الكنيسة .. بل عاشها وراح يجول بين ربوع مصر وأفريقيا والعالم .. فكان بابا المسكونة كلها.. يكتشف روادها وطلائعها من صغار وكبار.. وما تركه من أثر في مجالات بناء الكنائس والأديرة.. وإهتمامه بالتربية الروحية والفنية والثقافية (معلم التنوير).. ورسالته الفكرية والروحية التي ينمي بها أبناء وبنات الكنيسة في كل الأجيال.. ومعنى الإنسانية التي مثلها بالحب والصدق والتواضع والوفاء.
كانت روحه ثرية.. فكان يبتسم لأي صعاب وكان يصلي بكل إهتمام.. والرب يحل له كل المشاكل.. ومن أقواله “ضع الله بينك وبين الضيقة.. فالضيقة تنتهي ويرتفع إسم مجد الله”.. كل شيء يحل بالصلاة والصوم.. نقل روح الكتاب المقدس لشعبه في تصرفه وأعماله.. وبذلك عاش بكل أقواله.. وكان ذهنه حاضر لآخر لحظة.. ولا يشتكي بالتعب ولايبخل على أحد في أي وقت.. وكان دائم السؤال على المريض والفقير.
ومن أقواله أيضا ً “لست أريد شيئا من العالم.. لأنني أرقى من العالم.. إنني إبن الله؛ صورته ومثاله.. لأني أريدك أنت وحدك.. أنت الذي أحببتني إلى المنتهى، وبذلت ذاتك عني”.
طوباك يا بابا شنودة لأنك سكنت الحياة الأبدية .. وهذا ما يعزينا .. فرحين لك لأنك مع أحبائك: أمنا القديسة العذراء مريم، والآباء الرسل والشهداء والقديسين.
يا من صلبت من أجلنا وقمت من الأموات لكي نحيا بك ومعك.. نطلب منك يارب أن تحمنا من كل سوء، ببركة صلوات البابا شنودة عندك وشفاعته لنا.. الذي سيبقى أيقونة حية في قلوبنا، تضيء لنا حياتنا الروحية.