ألقى غبطة البطريرك لويس ساكو، بطريرك بابل للكلدان، كلمة خلال مشاركته في الاجتماع الوزاري الذي عقده مجلس الأمن، حول “ضحايا الاعتداءات والهجمات على أساس طائفي أو ديني في الشرق الأوسط”، بدعوة من فرنسا، التي تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي، وحصل موقع وطنى على الكلمة التى تحمل السطور القادمة نصها:
باسم المسيحيين بمكوناتهم الاثنية والثقافية، وباسم الأقليات الأخرى الممتحنة في الشرق الاوسط، اتقدم بشكري العميق إلى الحكومة الفرنسية على هذه المبادرة الإنسانية الرائدة، وإلى معالي وزير خارجيّتها السيد لوران فابيوس.
أيتها السيدات، أيها السادة.. كما تعلمون أن هذه السنة توافق الذكرى المئوية لمذابح المسيحيين سنة 1915 واليوم، وبعد مائة عام تمامًا نعيش وضعًا مأسويا مماثلاً، مما يدفع بألاف المسيحيين إلى الهجرة، وهذا يعدّ خسارة كبيرة للجميع. صراحة أن ما سمي بالربيع العربي انعكس سلبًا علينا، في حين لو اتيحت لنا فرصة التناغم ضمن النسيج المتنوع في المنطقة، لكنّا قوة دافعة للسلام والاستقرار والتقدم.
و أضاف غبطته في كلمته: إننا من هذا المنبر، نطلق هذه الرسالة بوحي من القيم الإنسانية والروحية، بأن التعايش الإيجابي على أسس العدالة والسلام، بروح المحبة والمواطنة، ينبغي أن يبقى في أعلى سلم أولويات مجلس الأمن والأمم المتحدة.
وفيما يخص بلادي أدعو إلى دعم الحكومة المركزية وحكومة إقليم كوردستان من أجل تحرير كافة المدن العراقية، وبالنسبة إلينا كمكون مسيحي ومكونات اخرى كالأيزيدية والشبك والتركمان خصوصاً تحرير مدينة الموصل وبلدات سهل نينوى وتوفير حماية دولية لسكانها المرحلين قسرًا (منطقة آمنة)، واصدار قانون يضمن حقوق ملكية أراضيهم فيتمكنوا بالتالي من العودة إلى بيوتهم ومواصلة حياتهم الطبيعية. كما يجب على الحكومة المركزية تعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم.
تابع غبطة البطريرك قائلاً: إن المشكلة الأساسية هي في فهم الدين والدولة والمواطنة، والفرد والجماعة ودور المرأة والتربية الوطنية، وإمكانيّة العيش معًا بسلام واحترام. فالتيارات الاسلاميّة المتطرفة ترفض العيش مع غير المسلمين، وتعمل على اضطهادهم واقتلاعهم من بيوتهم وجذورهم وشطب تاريخهم. إنها أزمة فكر، واحتكار السلطة، وتعطيل المؤسسات، وتقييد الحريات.
هذا الوضع المخيف يتطلب إرساء ثوابت على مستوى القانون الدولي لمنع حصول كذا انتهاكات كارثية بحق الانسان والانسانية. في نفس الوقت لا ينبغي تعميم أفعال هؤلاء الإرهابيين على المسلمين كافة. فهناك أغلبية مسلمة مسالمة وصامتة ترفض تسييس الدين وتقبل العيش المشترك في إطار دولة مدنية، دولة القانون والمؤسسات.
و أضاف ان السلام والاستقرار لا يتحققان بالحلول العسكرية وحدها، فهي غير قادرة على تفكيك هذا الفكر المنغلق الذي يدمر البشر والحجر، بل يتطلب الأمر من المجتمع الدولي، ومن ضمنه جامعة الدول العربية ومؤتمر الدول الاسلامية، اتخاذ قرارات قانونية واجراءات حاسمة من خلال تبني حلول سياسية وثقافية وتربوية مناسبة تحافظ على النسيج الوطني المتمثل بالأشخاص والجماعات على اختلاف دياناتهم وانتماءاتهم، وتصون حقوقهم وتوطد العلاقات بينهم.
كما نلفت النظر إلى خطر قد يكون أكبر وهو وجود ملايين الأطفال والأحداث الذين حرموا من متابعة التعليم، وملايين اللاجئين في المخيمات من دون عناية واهتمام. فالإحباط والبطالة والفقر قد يدفع بهم ليكونوا بسهولة بيئة جيدة للانتقام والتطرف. لذا ينبغي الاهتمام باللاجئين وتلبية حاجاتهم والتخفيف عن معاناتهم.
و أختتم كلمته قائلاً: إننا نقترح خطة عملية للخروج من هذه الحلقة المفرغة:
1- المطالبة، من منطلق الأمم المتحدة بتغيير نافذ للدساتير والقوانين وإصلاحها بحيث تحقق العدالة والمساواة والكرامة للجميع على أساس المواطنة الواحدة، من دون إعطاء امتياز للبعض على حساب البعض. وهنا اشير إلى ضرورة قيام مشروع دولة مدنية تقف على مساحة واحدة من الجميع، وتعتبر نفسها مسؤولة عن حماية الجميع والحفاظ على حقوقهم كاملة.
2- تشجيع المرجعيات الدينية على تبني خطاب ديني معتدل يعمق الشعور بالمواطنة، اي ثقافة انتماء الناس الى وطنهم وليس الى طوائفهم أو عشائرهم؛ كذلك اصلاح برامج التربية في المدارس، بحيث ترسخ مفاهيم الاحترام بين المواطنين وتعزز قيم التسامح والحوار بين الديانات والمذاهب، وتنبذ الفرقة والكراهية وروح الانتقام، وتحصنهم من عواقب التطرف والعنف والارهاب من خلال تقديم فهم صحيح للنصوص الدينية وعدم السماح باجتزائها من سياقها.
3- اصدار قانون بتجريم ومحاسبة الدول والافراد ممن يمولون هذه الجماعات الارهابية بالفكر والمال والسلاح باعتبارها جرائم تهدد السلم الاجتماعي.
4- تطوير منظمات حقوق الانسان والمجتمع المدني، ودعمها بحيث يكون دورها، ليس استشاريا فحسب، بل تنفيذيا مسؤولاً، على النطاق الاقليمي والدولي.