إحياء لذكرى مرور 40 عاماً على انتقال القديس القمص ميخائيل ابراهيم إلى السماء لينضم لصفوف المنتصرين ( 26 مارس 1975 – مارس 2015 ) , اصدرت كنيسة مارمرقس بشبرا كتاباً جديداً يتناول بعض الجوانب من سيرة و حياة ابينا الحبيب ميخائيل ابراهيم احد قديسى القرن العشرين العظام فى الايمان و الخدمة .. رجل الصلاة و خادم المذبح و ربما أحد اعظم اباء الإعتراف فى جيله الذى قدم لنا حياته أيقونة حية للحياة السماوية الجادة المتهللة فى الداخل ليترك اثارة العذبة على حياة الكثيرين بمساندتهم الكثيرين وسط آلامهم ليقودهم فى طريق الانجيل الحق بروح الحب و التواضع .
الكتاب الجديد من اعداد و اصدار ابناء القمص ميخائيل ابراهيم , و بتقديم نيافة الحبر الجليل الانبا انجيلوس اسقف عام كنائس شبرا الشمالية . و يطلب من مكتبة كنيسة القديس العظيم مارمرقس بشبرا .
نشأته
ولد ميخائيل في 20 أبريل سنة 1899 وتربي في حضن الكنيسة بكفر عبده والتحق بمدرسة الكنيسة ، فالتهب قلبه بحب الله والارتباط بالخدمة كما التحق فيما بعد بمدرسة الأقباط الكبرى , وعين موظفا بوزارة الداخلية في مراكز البوليس بفوة ثم شربين بكفر الشيخ ثم بلبيس فههيا حيث قضي عشرة سنوات (1938-1948) ثم محافظة الجيزة لمدة ثلاث سنوات. ومنها انتقل إلى الخدمة الكهنوتية في بلدته بكفر عبده في 16 سبتمبر 1951
بدأ خدمته في كفر عبده بإلغاء الأطباق لجمع التبرعات حتى يقدم كل واحدٍ لله في الخفاء. كما قام بإلغاء الرسوم علي الخدمات الكنسية، فأحبه الشعب جدا والتف حوله. وبعد عام من سيامته أعطاه الأسقف القمصية في مايو 1952.
عرف بأبوته الحانية ورعايته لكل بيت بل ولكل شخص جذب الكثيرين إلى حياة التوبة والاعتراف من كفر عبده والبلاد المحيطة بها .
انسحابه إلى القاهرة
أثار عدو الخير شريكه في الخدمة حاسبا ما يفعله أبونا ميخائيل نوعا من المغالاة لا معني له , ثار ضده فانسحب أبونا بهدوء إلى أسرته بالقاهرة عام 1955 ، والتجأ إلى كنيسة دير مار مينا بمصر القديمة ، وكان يصلي بحرارة ودموع لكي يفتقد الرب شعبه في كفر عبده.
دعوته للخدمة بكنيسة مارمرقس بشبرا
دعاه أبونا مرقس داود ليخدم معه في قداس الأحد بسبب غياب أحد الآباء الرهبان واستراحت نفسه له فطلب منه أن يخدم معه وبقي في خدمته بالكنيسة خميرة عجيبة مقدسة تعمل في حياة الكثيرين حتى يوم نياحته , و ذلك بعدما هيأت له الحكمة الإلهية مسكنا في شارع الترعة البولاقية بشبرا وسمع القسمرقس داود كاهن كنيسة مارمرقس بشبرا بتقواه وفضائله ، فسعى للتعرف به فزاره في مسكنه.
وفى ذلك الحين كان قد اتسع نطاق الخدمة في كنيسة مارمرقس وذاعت مبادئها في التجرد عن المادة، والتفرغ للروحيات والخدمة الاجتماعية وتطلبت الخدمة الواسعة إقامة قداسين يوم الأحد وكانت البطريركية توفد راهبا ليصلى في الكنيسة أحد القداسين .
وفى يوم أحد لم يحضر الراهب المكلف بالخدمة ، ولكن عمل الله لم يتعطل إذ لمح أبونا القس مرقس داود المتنيح القمص ميخائيل إبراهيم منزويا في ركن مستعدا كل حين , وبعد انتهاء الخدمة عرضت عليه الكنيسة أمر الخدمة المؤقتة بها فوافق .
ولقد دعته الكنيسة بضع مرات وكان يلبى الدعوة إلى أن وجدت فيه الكنيسة ضالتها المنشودة ، فبقى خادما فيها إلى يوم نياحته (26 مارس 1975).
جذبت قداسته وحكمته أفواج الشباب والكهنة .. الجميع يجلسون عند قدميه يستلهمون النصح والإرشاد , مقدمين اعترافاتهم حتى أصبحت الكنيسة تموج بأفواج الوافدين .
وذاعت بركة خدمة التعاون والمحبة التي تمثلت في كاهنيها المثاليين، أبينا مرقس وأبينا ميخائيل حتى أصبحت الكنيسة كخلية النحل .
ووجد القمص ميخائيل إبراهيم في هذه الخدمة تحقيقا لأسمى أماني روحه الطاهرة الساهرة.
رجل الصلاة
كان لا يعمل عملا صغيرا أو كبيرا دون أن يبدأه بالصلاة سواء لما حينما يذهب لفض أي نزاع عائلي أو لأي داع كان أول عمل يقوم به قبل أن يتكلم أحد بأية كلمة هو أن يقودنا كلنا في الصلاة لطلب إرشاد الله ومعونته وحضوره معنا , ايضا لما كان يريد أن يعرض أي موضوع ، كان يطلب من الجميع أن نرفع قلوبنا بالصلاة حتى قبل أن نعرف موضوع الحديث .
كان يدقق جدا في رفع الصلاة لله قبل الأكل أو الشرب سواء تناول الطعام في بيته أو بيوت الأحباء حتى كوب الماء أو فنجان القهوة أو الشاي أو الشربات كان لا يمسه دون يرشم عليه علامة الصليب أولًا , كلما جاء إليه واحد من أبنائه الروحيين أو من شعب الكنيسة لطلب استشارته في أمر كان ، قبل أن ينطق بأية كلمة تصله ويشركه معه في الصلاة ويأمره بمداومة الصلاة في البيت إلى أن يرشده الرب ويعلن له مشيئته بصدد مشكلته.
وكان يكتب اسمه على المذبح الذي تكدست عليه مئات من الأوراق كتبت عليهم أسماء من طلبوا إليه الصلاة من أجلهم , فكان لا يرد أي طلب لأي واحد من الشعب يطلب منه إقامة قداس لأجل مشكلته أو بسبب أي موضوع ولذلك كان يرفع القداس في الكنيسة كل أيام الأسبوع تقريبا.
حبيب الفقراء و المحتاجين
لا يرد أحدًا , فلم يكن يقصده أي شخص لطلب المساعدة ورده خائبا بل كان يقدم المساعدة حسبما تيسر له وطالما سأله أفراد الشعب حول هل يصح تقديم المساعدة لكل من يطلب حتى وأن كانت حالته الصحية تمكنه من الاشتغال بأي عمل، فإن تقديم المساعدة في هذه الحالة قد تشجعه على التمادي في الكسل اعتمادًا على عطف الناس ؟ فكان رده بصفة دائمة مستمدا من قول الرب ” من سألك فاعطيه “
كانت تأتيه مبالغ كثيرة من أبنائه المهاجرين ومن غيرهم . فكان يسلم الجزء الأكبر منها لقسم الخدمة الاجتماعية بالكنيسة ، والباقي يقدمه للكنيسة دون أن يحتفظ بقرش واحد لنفسه.
يعطى أفضل ما عنده , في بعض الأحيان كان يأتيه فقير معدم ثيابه رثه وممزقة فكان يعطيه لا من ملابسه المستعملة بل من ملابسه الجديدة. معتبرًا أنه لا يقدم المساعدة لأحد أخوة المسيح فحسب بل للمسيح نفسه الذي قال : ” بكم فعلتم بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي قد فعلتم ” .
عزاؤه في وفاة ابنه البكر
لما توفى ابنه الدكتور إبراهيم ميخائيل سنة 1956، اشترك مع الآباء الكهنة في الصلاة على جثمانه وهذه مقدرة عجيبة في ضبط النفس وحينما ذهب إلى المدافن في كفر عبد، وانتهت عملية الدفن أمر المشيعين بالانتظار قليلًا حتى يرفع شكره لله وصلى الامر الذى قد حسبه البعض بان الرب قد سمح بوفاة الدكتور إبراهيم لكي يقدم لنا أبونا ميخائيل هذا الدرس الروحي العميق في كيف يكون القلب ممتلئا بالسلام حتى في أصعب الظروف .
كانت الوفاة يوم جمعة وظن أنه قد يتعذر عليه الحضور إلى الكنيسة الصلاة القداس يوم الأحد (اليوم الثالث للوفاة) وعلى الأقل لانشغاله في استقبال المعزين القادمين من القاهرة أو من البلاد. وطلب من أحد الآباء الكهنة الحضور إلى الكنيسة يوم الاحد بدلا من أبينا ميخائيل و تم علمه بان هناك من يصلى القداس بدلا منهلكنه رفض وصلى القداس بنفسه في اليوم الثالث لوفاة ابنه البكر .
كان أبونا ميخائيل لا يتكلم عن إنسان قد أنتقل، إلا ويقول أن فلان قد وصل.. ” يا بخته ، لقد وصل، عقبالنا ” .
انتقاله الى السماء
تنيح أبونا ميخائيل في فجر الأربعاء من يوم 26 مارس سنة 1975 ووضع جثمانه الطاهر في كنيسة مارمرقس بشبرا حتى ظُهر الخميس ليتبارَك منه شعبه وأولاده , وفي الساعة الواحدة بعد الظهر نقل إلى الكاتدرائية. وبدأ الجناز الساعة الثالثة وقد صلى عليه قداسة البابا شنوده الثالث ومعه أصحاب النيافة الأنبا صموئيل، الأنبا دوماديوس، الأنبا يوأنس، الأنبا باخوميوس، الأنبا تيموثاوس. كما حضر الصلاة وكيل البطريركية وحوالي مائة من كهنة القاهرة والإسكندرية ، وآلاف من الشعب .
وفي المقر البابوي يوجد جسد الأنبا صموئيل الأسقف الشهيد أسقف العلاقات العامة والخدمات الاجتماعية إلى جانب جسد القديس أبينا ميخائيل إبراهيم والأنبا غريغوريوس أسقف الدراسات العليا والثقافة القبطية والبحث العلمي .