اعتاد أنبا ميخائيل أن يقضى يوم الاحتفال التقليدى بعيد تجليسه 25 أغسطس من كل عام فى هدوء بمقره بدير العذراء بجبل اسيوط، وذلك عقب صلاة القداس الالهى الذى كان يفضل نيافته أن يكون فجر الاحد التالى لختام احتفالات عيد العذراء بجبل اسيوط والذى كان يقام بكنيسة المغارة اقدم كنائس الدير وفى السنوات الأخيرة أصبح يقام بكنيسة المنارة.
وكان يحضر الصلاة المئات من أبناءه المقيمين وزوار الدير والذى يختتم ببعض المدائح واحيانا الترانيم والتى يقوم بنظمها ابناءه لهذه المناسبة على النغمات القديمة لألحان الكنيسة .. وأذ يتزامن هذا مع الاحتفال بعيد حمل جسد ابو مقار الى برية شهيت ..فكانت الاحتفالية تضم المناسبتين.. وعند نهاية صلاة القداس .. كنا نصطف جميعاً ـ عشرات من الأسر والأطفال ـ ونزدحم حول نيافته أنتظاراً لنوال البركة وكلمة منفعة من فمة الطاهر .. كانت تنطلق من افواهنا الزغاريد مع التصفيق .. كان أحدنا احياناً يتفوه بكلمة ( كل سنة وانت طيب ياسيدنا ) وكان يبدو ان ابانا لايفضل هذا فيبادر بالقول ( علشان اية ؟ شكراً .. أنا ما يخصنيش ، وما يلزمنيش )..و نذكر انه فى احد الأعوام حملت احد الاسر الاسيوطية من اجل المناسبة ( تورتة صغيرة ) واصرت على تقديمها لابانا القديس ووقفت فى الطابور أنتظاراً لدورها لتقديم التهنئة بمناسبة عيد تجليسه فتعفف نيافته وقال ( ليه كدة .. قسموها وكلوها انتم بالبركة .. شكراً ).
و لانه شيخ الشيوخ ، والاب المطران الاكبر سناً .. يأتى احتفال شعب مطرانيته واحباءه بعيد سيامته الـ 68 هذا العام واعتلاءه لكرسيه مطراناً لايبارشية أسيوط العريقة تسجيلاً لحقبة هامة فى تاريخ كنيستنا القبطية تلازم تراث حبريته الاطول عمراً ، ولحالقاً بحقبة هامة فى سلسلة التاريخ الثرى لكراسى الاباء الاساقفة والمطرانة الاحبار على امتداد الكرازة المرقسية .
ولان ابانا نيافة الانبا ميخائيل تقبل موهبة الاسقفية فى عمر الـ 25 كما تسجل كتابات الكنيسة فقد شاءت ارادة السماء أن يعاصر نيافة آنبا ميخائيل حياة 6 من الاباء البطاركة أستضاءت بهم حكمته الروحية وتدبيره للكنيسة ..
† البابا يوأنس التاسع عشر البطريرك الـ113 للكرازة المرقسية والذى تنيح فى 21 يونيه 1942 ، البابا مكاريوس الثالث البطريرك الـ114 والذى كان مطراناً لكرسى اسيوط وفاضت روحه فى 13 /11 /1945 ، والبابا بوساب الثانى البطريرك الـ 115 والذى تنيح فى 13 نوفمبر 1956 .
ثم الاباء البطاركة البابا كيرلس السادس البطريرك الـ116 ، والبابا شنودة الثالث البطريرك الـ117 ، والبابا تواضروس الثانى البطريرك الـ118 أدام الله لنا حياته سنين عديدة ..
† ولخصوصية العلاقة الابوية التى جمعت ما بين البابا يوساب الثانى البطريرك الـ115 ونيافة الانبا ميخائيل فى بواكير حياته ، وملامحها وتأثيرها بما جرى من أحداث داخل الكنيسة فى هذة الحقبة .. رأينا أن نستعيد أوليات هذة العلاقة بحسب ما سجلة كتاب تاريخ البطاركة لدير السريان العامر الجزء الثالث.
† ولد البابا يوساب الثانى البطريرك الـ115 بالنغاميش مركز البلينا عام 1876 وترهب فى دير الانبا انطونيوس بالجبل الشرقى وتسمى بالراهب اقلاديوس الانطونى .. وعندما خلى كرسى مطرانية جرجا رفع كهنة الابراشية ووجهاء المدينة طلباً للبابا كيرلس الخامس بتذكية القمص أقلاديوس الانطونى اسقفاً على اعمال جرجا والبلينا بإسم الانبا يوساب الثانى 5 نوفمبر 1920 عن عمر 44 عام .. فيما أنفصلت ابراشية البلينا وتوابعها عن كرسى جرجا أستقر الانبا يوساب فى ابراشية جرجا حسب ما حددته الدوائر البطريركية وكانت نجع حمادى من أعمال المطرانية حيث بدأ الانبا يوساب يعمل على رفع مستوى ايبارشيته الدينى والادبى ولم يتقاعس عن افتقاد شعبه ورعيته فى القرى والمدن.
† و حسبما يسجل الجزء الثالث من كتاب تاريخ الاباء البطاركة الذى أصدرته مكتبة دير السريان العامر تحت عنوان الاساقفة الذين رسمهم الانبا يوساب الثانى بدايات بزوغ العلاقة الابوية الروحية .. فنيافه انبا ميخائيل بحسب شهادة ميلاده بانه ولد فى قرية الرحمانية اعمال نجع حمادى سنة 1921 وتسمى متياس تيمناً براهب انطونى فاضل كان يتعبد فى جبل سدمنت وترهب بتزكية من نيافة الانبا يوساب الثانى فى دير القديس مكاريوس عام 1939 ورسم قساً سنة 1940 وعين وكيلاً لاوقاف الدير بالقاهرة وارتبط بصداقة قوية مع الانبا يوساب مطران جرجا ونظراً لشخصية الانبا يوساب الوقورة ولمكانته المرموقة بين اعضاء المجمع المقدس فقد عينة البابا يوأنس التاسع عشر نائباً بابوياً واجمع المجلس الملى العام والمجمع المقدس على اختياره قائماً مقام البطريرك بعد نياحة البطريرك فى 21 يوليو 1942 الى ان يكون للكنيسة رئيس جديد .
† واثناء وجود الانبا يوساب فى النيابة البطريركة حيث رشحة كثيرون من وجهاء الامة ورجال الاكليروس اصطحب اليه أبونا الراهب متياس المقارى الذى جاء الى المقر البابوى بالقاهرة قام بمجهود عظيم لجمع الأصوات لصالح الانبا يوساب .. بينما زكى أخرون الانبا مكاريوس مطران اسيوط للكرسى المرقسى والذى نال أكثرية الأصوات ورسم بطريركاً بأسم الانبا مكاريوس الثالث فى 13 فبراير 1944 ..و اشترك الانبا يوساب فى تنصيب البطريرك الجديد وبعد تناول الاسرار المقدسة من يده عاد للتو الى مقرة فى جرجا وعاد ابونا متياس المقارى الى ديره.
† لم تطل ايام البابا مكاريوس على كرسى البطريركية اكثر من سنة ونصف وتنيح فى 31 اغسطس 1945وعند ذلك قام انصار الانبا يوساب بترشيحه للمرة الثانية للمنصب البطريركى وحيث قام ابونا القس متياس المقارى بدور هام بالجلوس الى الاباء المطارنة والاساقفة الذين وجدوا فيه حكمة الشيوخ رغم حداثة سنه لجمع وجهات النظر لترشيح الانبا يوساب للكرسى المرقسى .. وفاز الانبا يوساب بأغلبية ساحقة ونصب بطريركاً فى 26 مايو
1946باسم البابا يوساب الثانى بالكنيسة المرقسية الكبرى بالازبكية و اشترك فى تجليسه احبار الكنيسة ورجال الدولة ووجهاء البلاد .
† وعند ظهور نتيجة الانتخابات البطريركية كان الانبا يوساب موجوداً بمقره بجرجا فاسرع بالسفر حيث استقبلته الجماهير بمحطة القاهرة بالهتاف المتواصل وفى يوم تتويجه اعلن عن برنامج اصلاحى خاص وتعهد بانه سيحافظ على وجدة الامة وتوثيق العلاقة بالكنيستين القبطية و الاثيوبية وينهض بالإكليروس ويرفع مستوى الرهبنة .. ولما كان الراهب متياس المقارى قد ساهم بقسط وافر فى ترشيح الانبا يوساب للكرسى البطريركى ولما فاز بالمنصب جعله سكرتيرا خاصا له وبعد شهور قلائل ـ واذ كان كرسى مطرانية اسيوط لا يزال شاغراً ـ قام قداسته برسامة ابونا متياس المقارى مطراناً على اسيوط فى 25 اغسطس 1946 ثم عاد وعهد اليه برئاسة دير ابى مقار ببرية شهيت .
† وكان لدى الانبا يوساب ( كما يسجل تاريخ الكنيسة ) خادم يحتفظ به منذ رسامته اسقفا يدعى كامل جرجس او ( ملك ) وكان يحظى بدالة قوية عند سيده .. اظهر فى الشهور الاولى من وجوده بالبطريركية معاملة حسنة وكان يقابل زائرى سيدنا بالبشاشة والترحاب ويظهر تعاطفاً مع اصحاب المشاكل فحسبوه تلميذا اميناً وخادماً مخلصاً .. فيما بعد اساء التصرف ( ولعبت الاموال دورها وادارت ذهنه ) واخذ يعبث بأوضاع البطريركية فجعل كل المهام الحيوية بين يديه ومن بينها ترشيح الأساقفة ورسامة الكهنة وتنقلاتهم .. فساءت احوال البطريركية ولم يسترح انبا ميخائيل مطران اسيوط لهذا الوضع بسبب تدخل خادم البابا فى الشئون الادارية والمالية و سجلت مواقف نيافة الانبا ميخائيل الشجاعة ضد البابا فى التاريخ الكنسى رغم ابوته الروحية انحيازاً لكرامة الكرسى المرقسى .. الى أن توترت الامور وانتهت باقصاء البابا من منصبه وسفره للدير المحرق .. واجتمع المجمع المقدس فى 27 سبتمبر 1955
وانتخب ثلاثة من المطارنة لادارة شئون الكنيسة وهم الانبا اغابيوس مطران
ديروط والانبا ميخائيل مطران اسيوط والانبا بنيامين مطران المنوفية وكان ابرز اعمال المجلس البطريركى محاكمة الكهنة والاتباع الموالين للانبا يوساب .
† وعلى خلفية من محاولة اغتيال البابا اصدرت الحكومة قرارا 22 سبتمبر 1955 بوقف الانبا يوساب عن و ظيفته والغاء ” المحاكم الملّية ” و استمراراً لاصرار البابا على الاحتفاظ بخادمه استيقظ صباح السبت 24 سبتمبر 1955 و حزم حقائبه وتوجه الى الكنيسة المرقسية وصلى صلاة قصيرة خاطب فيها القديس مرقس الرسول بقوله ( ها انا ارد اليك الوديعة التى ائتمنتنى عليها ) .. ونقل البابا بعد ذلك الى المستشفى القبطى فى جناح خاص اعد له ولم اشتدت عليه وطأت المرض نقلوه الى دار البطريركية ودخل البطريرك العليل الى مخدعه وما كاد يستقر على فراشه حتى اسلم نفسه الحزينة صباح الثلاثاء 13 نوفمبر 1956 .. وكان نيافة انبا ميخائيل مطران اسيوط اول من بكاه ونعاه فى الاذاعة و الصحف المصرية واقيمت صلاة تجنيز تليق بقداسة البابا وطويت صفحته ..
†ولنتوقف عند هذه الحلقة من حلقات التاريخ الكنسى حيث سجل نيافة آنبا ميخائيل مطران اسيوط دورا هاماً ومواقف عظيمة عند اقصاء البابا يوساب الثانى أشاد بها الكثير من الصحفيين فى الجرائد والمجلات المصرية رغم ان عمرة لم يكن يتجاوز الـ36 عام .. ولنقتطف بعض الابيات من قصيدة شهيرة نشرت فى جريدة مصر فى 29 سبتمبر 1955 يمدح فيها الشاعر يحيا ابن يقظان نيافة الانبا ميخائيل على وقفاتة الشجاعة يقول :
بوركت ميخائيل من يقظان …….. فى حب الكنيسة هائم متفان
ماقلت يارب الهدى نعم أم لا ……. ألا وقصدك طاعة الرحمان
فى الحق تؤثر أن تكون مجاهداً ….عنة ولا يثنيك عنه ثان
وفى صــ503 من كتاب الرهبنة القبطية الذى اصدره دير آنبا مقار ببريه شهيت قال بأن نيافة آنبا ميخائيل مطران اسيوط ورئيس دير الانبا مقار والذى تقبل موهبة الاسقفية فى 25 أغسطس 1946 عرفته إيبارشية رجل تعليم ، وبناء وتعمير وسيظل جبل العذراء باسيوط يحمل له مبانية الضخمة الجميلة الى الابد ، اما دير آنبا مقار فقد صار كما وصفة سابقاً ساويرس ابن المقفع بأنة على يدة قامت داخل الاديره النهضة الروحية والمعمارية الكبرى ، عرفتة الكنيسة كلها لسان حق ورجل مواقف اطال الله حياته .. وأضاف القمص صموئيل تواضروس السريانى بأن آنبا ميخائيل عاقل متزن ، حلو الحديث ، يعتز بكرامة وظيفتة الى ابعد الحدود .