بمجرد أن تهبط قدميك من محطة مترو مارجرجس حتى تدخل إلى أبواب الروحانية من خلال الشوارع الضيقة التى تقود إلى طريق الملكوت… وسط دهاليز ممتدة إلى أعماق تاريخ متجدد، مازال ينبض بالحياة الحقيقية حيث الصلاة والصوم…
المقدمة:
بمجرد أن تهبط قدميك من محطة مترو مارجرجس حتى تدخل إلى أبواب الروحانية من خلال الشوارع الضيقة التى تقود إلى طريق الملكوت… وسط دهاليز ممتدة إلى أعماق تاريخ متجدد، مازال ينبض بالحياة الحقيقية حيث الصلاة والصوم…
لذلك أخذت أتساءل عن كيفية الوصول إلى تلك المغارة المتواضعة التى مكثت بها العائلة المقدسه أثناء رحلتها إلى مصر، وهى توجد أسفل كنيسة أبى سرجه الأثرية…
وأخذت طريقى الموصوف لى.. ودخلت دهليز طويل تصطف على جانبيه صور أثرية وقبطية من قبل الباعة فى هذا المكان.. ومشيت فى الشارع أشعر بهيبة كبيرة وفى هذا اليوم الذى تحتفل به “كنيسة أبى سرجة ” بعيد دخول العائلة المقدسة إلى مصر.. متخيلا القديس يوسف والأم مريم والطفل يسوع وكيف كانوا في هذا المكان…
ومع إمتلائى بكل هذه المشاعر.. وأنا سائرعلى قدمى وعلى ظهرى حقيبة كاميراتى التى تصاحبنى دائما فى مثل هذه الرحلات… وصلت إلى آخر الدهليز فوجدت نفسى أنزل عدة درجات سلم ليظهر أمامي باب الكنيسة فنزلت عنده أيضا درجات سلم بإرتفاع حوالى متر ونصف تقريباً… وإذ بى قد وصلت إلى المكان الذى هو مقصدى …”كنيسة أبو سرجه” بشكلها الخارجي المتواضع جدا.. فدخلت لأرى المغارة التى إختبات بها العائلة المقدسة..
السلالم المؤدية لمنطقة كنيسة أبو سرجة
دهليز ضيق على جانبيه صور أثرية
حارة كنيسة أبو سرجة
مدخل الكنيسة المتواضع
تاريخ تأسيس الكنيسة:
تم تأسيس كنيسة القديسين سرجيوس وواخوس المعروفة بإسم “أبو سرجة” في أواخر القرن السابع على يد أثناسيوس- أحد كبار رجال الدولة الأموية في عصر عبد العزيز أبن مروان حاكم مصر من عام 685 إلى 705
جاء أثناسيوس من سوريا متأثرا بقصة القديس سرجيوس الذي استشهد هناك في نفس الوقت الذي فقد فيه صديقه الشهيد واخوس. فبنى أثناسيوس هذه الكنيسة تذكار للشهيدين فوق مكان المغارة المباركة بالعائلة المقدسة.
أيقونة القديسين سيرجيوس وواخوس
أثناسيوس بنى الكنيسة الأصلية، ومن القرن السابع إلى القرن الثاني عشر كانت تلك الكنيسة هي الكنيسة الأسقفية وأكثر من بطريرك تم اختيارهم وتكريسهم من هذه الكنيسة.
فى سنة 768م أفرج الخليفة مروان ين محمد عن البطريرك الأنبا ميخائيل الأول البابا الـ 46 الذى طلب منه مالاً وفيراً وعجز عن سدادة فالقاه فى السجن وكان أول شئ فعله القديس الأنبا ميخائيل أنه ذهب إلى كنيسة ابى سرجه وأقام فيها صلاة الشكر .
وفى سنة 975م تم أنتخاب البطريرك الأنبا أبرآم السريانى البابا الـ 62 فى كنيسة ابى سرجه فقد أجتمع فيها الأساقفة وأعيان الأقباط لانتخابه وقد أشتهر البابا أبرآم السريانى أن فى عهده نقل جبل المقطم.
وذكر المؤرخون أن كثيراً ما كان يجتمع في كنيسة أبى سرجه الأساقفة والأراخنة لانتخاب البطريرك فى العهود القديمة حتى أوائل القرن 12 الميلادي حيث أنتخب فيها البطريرك الأنبا مكاريوس الثانى فى عام 1102 م
في أواخر عصر الدولة الأموية، تعرضت الكنيسة إلى حريق عندما أحرق مروان الثاني الفسطاط وهو آخر خلفاء بني أمية (744-750)م فقام بترميمها الوزير يوحنا بن يوسف المعروف بابن الأبح، كاتم سر الخليفة المستنصر لالله الفاطمي سنة 789 للشهداء (=1073م)
ومن القصص التاريخية التي ترجع لعصر الخليفة المستنصر بالله أنه أمر الوزير إبن الأبح بترميم وبناء كنيسة فتم بناء كنيسة الشهيدة بربارة وكنيسة أبو سرجة وكانت المسافة بينهم 500 متر. وإذا بأعداء الخير يذهبون إلى الخليفة ليشوابالوزير، فأمره الخليفة بهدم إحدى الكنيستين . فحزن الوزير ولكن كان عليه طاعة الأمر.
ولما وصل مع المهندسين لكي يختار أيهما يهدم، مات إبن الأبح بين الكنيستين من شدة الحزن. وحزن عليه الخليفة جدا وأمر بمنع هدم الكنيستين.
وتعرضت كنيسة أبو سرجه أيضا إلى حريق جزء كبير منها أثناء الفوضي التي حدثت فى آخر أيام لعصر الدولة الفاطمية، وتم إعادة بناءها في عام 1171. ومنذ ذلك الزمان تم ترميمها أكثر من مرة.
شكل الكنيسة:
في وقت بناء الكنيسة، لم يعتاد الأقباط في هذا العصر على بناء مبنى كبير ببرج أجراس أو عمل زخارف على المبنى من الخارج بل كان مدخل الكنيسة متواضع وصغير.
مدخل الكنيسة على منسوب منخفض عن الشارع
مبنى الكنيسة يظهر به مشربيات ولا يوجد أى زخارف
بساطة العمارة القبطية القديمة
وداخل الكنيسة نجد خليط بين الطراز المعماري القديم، وعمارة العصور الوسطى وكذلك عمارة العصر الحديث.
شكل الكنيسة الأساسى مأخوذ من طراز العمارة البازيليكية – وهو أقدم شكل للكنائس التي تم تشيدها من الإمبراطور قسطنطين بأورشليم وبيت لحم.
طراز العمارة البازيليكية
ومن أبرز المعالم التي ظهرت في الكنيسة من طراز العصور الوسطى هو ما ابتدعه المعماريين الأقباط وهو عمل قباب للكنائس. فكانوا يستخدمون القباب والعناصر المقبية قبل دخول الإسلام مصر وبعد أن استخدمت القباب في المباني العامة في عصر الدولة الفاطمية، عاد استخدامها بكثرة في الكنائس القبطية.
ففي كنيسة أبو سرجا يوجد سقف خشبي على شكل قبو فوق صحن الكنيسة الرئيسي وتوجد قبة كبير فوق الهيكل الشمالي تم تشييدها عام 1171
صورة توضح السقف الخشبى والبلاكونات العلوية للكنيسة
سقف خشبى على شكل قبو فوق صحن الكنيسة الرئيسى
شكل القبة فوق المذبح
أما أنبل الوعظ الرخامي المحمول على عشر أعمدة فهو تصميم معماري من العصر الحديث.
أنبل رخامى محمول على أعمدة
صحن الكنيسة به ممر أوسط وممرين على الجانب الأيسر و الأيمن. ويعلو الممرات الجانبية بالكون محمول على أعمدة من الرخام والجرانيت تفصل بين الممرات وصحن الكنيسة الرئيسي. هذه الأعمدة لها تيجان كورنثية يرجع تاريخها غالباً إلى القرن السادس الميلادى. بجانب الهيكل البحري يوجد غرفتين من الجهة الشمالية والجنوبية. تلك الغرف يوجد بهما سراديب تؤدي إلى المغارة الأثرية.
منظر البلاكونات فوق صحن الكنيسة
شكل الأعمدة التى تفصل الممرات الجانبية عن صحن الكنيسة
مدخل إحدى الغرف التى تؤدى إلى المغارة الأثرية
باب الغرفة
السرداب المؤدى للمغارة الأثرية
كنيسة القديسين سرجيوس وواخوس أصبحت مكان حج مشهور جدا لشهرتها وبركتها، ففي المغارة الموجودة في تلك الكنيسة مكثت العائلة المقدسة أثناء رحلة هروبها من فلسطين وتحركها داخل مصر. مرت العائلة المقدسة على هذا المكان ومكثوا به فترة قبل ذهابهم إلى الصعيد.
أقدم المخطوطات التي ذكرت وجود العائلة المقدسة في هذا المكان ترجع إلى القرن الثاني عشر. ومن القرن الثالث عشر والرابع عشر إلى الأن أصبحت المغارة التي توجد بالكنيسة هي محط الإهتمام لأنها هي الموضع الذي وجد فيه السيد المسيح، حتى أن الكنيسة كانت يطلق عليها أحيانا “كنيسة المغارة”
مقتنيات أثرية:
المذبح الخشبي القديم الخاص بالكنيسة تم تصنيعه من خشب الجوز قبل دخول الإسلام مصر، وهو الأن في المتحف القبطي.
أما حجاب الهيكل الأوسط الخشبي فيرجع للعصور الوسطى. وبه لوحات خشبية منحوتة ترجع للقرن الثالث عشر. تلك اللوحات المنحوتة تعرض صور بعض القديسين وقصص من الإنجيل المقدس. والحجابين الجانبيين يرجع تاريخهم إلى 1738.
حجاب الهيكل الأوسط الخشبى
صور بعض القديسين محفورة
صور قصص من الكتاب المقدس محفورة على الخشب
ومعظم الأيقونات بالكنيسة ترجع إلى القرن الثامن عشر. ومن أهمهم صورة أثرية (أيقونة) تمثل وصول السيد المسيح والسيدة العذراء ويوسف النجار وسالومى إلى أرض مصر ترجع إلى القرن التاسع الميلادى تقريباً.
الصورة الأثرية للعائلة المقدسة
نسخة من الأيقونة الأصلية الخاصة بدخول العائلة المقدسة أرض مصر
أيقونة أثرية للعذراء حاملة الطفل يسوع على جانبيها الملائكة
مجموعة أيقونات أثرية
مجموعة أيقونات أثرية
أيقونة العذراء مريم
أيقونة الله الآب ضابط الكل
أيقونة الملاك ميخائيل
وكذلك تيجان كورنثية يرجع تاريخها غالباً إلى القرن السادس الميلادى وكذلك تيجان الأعمدة وهى تيجان كورنثية
شكل العمود ويظهر عليه رسم أثرى لإحدى القديسين
تاج كورنثى فوق العمود من القرن السادس الميلادى
المغارة:
هذه المغارة عبارة عن كهف كانت العذراء مريم والطفل يسوع والقديس يوسف يختبئون فيها. وتقع أسفل منتصف مكان المرتلين وجزء من هيكل الكنيسة، وهناك مدخل إلى المغارة من ناحيتين ينزل إليها بسلالم أحدهما من صالة الهيكل الجنوبى من الكنيسة، والآخر من وسط الصالة التى فى الهيكل الشمالي. ويوجد بجانب المغارة وداخل الهيكل البحرى للكنيسة بئر ماء قديم.
السلم المؤدى للمغارة المباركة
البئر القديم الذى شرب منه يسوع
تنقسم المغارة إلى ثلاث فراغات يفصلهم عن بعض أعمدة قديمة حجرية. ويظهر شكل المغارة كأنها كنيسة صغيرة خاصة بالفتحات الغاطسة بالحوائط الشرقية والشمالية والجنوبية.
يبلغ طول هذه المغارة 20 قدماً (6 متر) وعرضها 15 قدماً (4.5 متر) وبالطبع لا يوجد بها فتحات إلا المدخلين الذان ذكرناهما وتنخفض المغارة عن سطح الكنيسة بما لا يقل عن 21 قدماً (6.3 متر) – كما أن أرضية الكنيسة نفسها تنخفض عن منسوب الشارع ب 12 قدماً (3.6 متر)، أى أن المغارة تنخفض عن مستوى سطح الشارع بحوالى 33 قدماً (10 متر)
وهندسة المغارة ترجع إلى القرن الثاني عشر أو الثالث عشر الميلادي، ومنذ القرن الرابع عشر إلى الثامن عشر استخدم المغارة الآباء الفرانسيسكان في إقامة القداسات حيث كانوا يعيشون في دير صغير بالقرب من هذا المكان.
تنقسم المغارة إلى ثلاث فرغات المذبح الفراغ الأوسط
شكل الأعمدة القديمة للمغارة
فتحات بأحجار المغارة
ولسنوات عديدة لم تكن المغارة متاحة للدخول بسبب المياه الجوفية التي كان يعلو منسوبها في منطقة مصر القديمة كلها. إلى أن انتهى مشروع كبير لصرف تلك المياه الجوفية وترميم ما هلك من مباني نتيجة تأثير المياه الجوفيةعليها. وبذلك عاد المكان ببركته مرة أخرى، ورجع الناس يتوافدون إليه مرة ثانية.
صورة توضح المغارة مغمورة بالمياة الجوفية
الوضع الحالى بعد شفط المياه
توافد الناس لأخذ بركة المكان
محرر وطنى داخل المغارة
أثناء وقت الترميم ظهرت في غرفة الهيكل الجنوبي جزء من جدارية على حائط دائري غاطس، يظهر فيها المسيح متوج ومن حوله الأربع حيوانات والشمس والقمر، وكذلك الملاك ميخائيل والملاك جبرائيل. وترجع تلك الجدارية إلى 1200 م
المدة التى مكثت فيها العائلة المقدسة فى المغارة
كانت الأوثان تتحطم ولم يستطيعوا البقاء فى بابليون مصر إلا أياماً قليلة لا تزيد عن أسبوع وهربت شياطين الأصنام، الأمر الذى أهاج الكهنة فذهبوا إلى الوالي فأراد قتل هذا الصبي. فكانت تهرب العائلة المقدسة منهم حتى لا ينتقم الكهنة منهم، ولهذا لم يمكثوا طويلاً في بابليون مصر.
وقال الطفل يسوع لوالدته: ” سيكون هنا بيعة (كنيسة) حسنة على إسمك وستكون محطة للزائرين وميناء للخلاص “
ويقول المتنيح العلامة الأنبا غريغوريوس أسقف الدراسات العليا فى مقال له فى جريدة وطنى بتاريخ 12/6/2005 م – عدد 2268: ” في بابيلون مصر القديمة – (كنيسة أبي سرجة)
علي أن العائلة المقدسة في رحلتها من الصعيد إلي فلسطين، جاءت إلي (مصر القديمة) قبل أن تذهب إلي (المطرية) ثم المحمة (أو مسطرد) في المنطقة المعروفة بفسطاط مصر، وكانت تسمي المنطقة (ببابيلون مصر القديمة). وهناك سكنوا (المغارة) التي توجد الآن بكنيسة القديس سرجيوس المشهورة بـ (أبي سرجة). ولقد اختلف المؤرخون في سبب تسمية هذه المنطقة “ببابيلون مصر القديمة”. فقال ديودور الصقلي:إن الأسري البابليين الذين أسرهم رمسيس الثاني من آسيا، احتلوا قلعة (هابنين) علي شاطئ النيل تجاه مدينة (منف). وبنوا هناك مدينة دعوها (بابيلون) أو (بابل)، علي اسم عاصمة بلادهم.
وقال (كزانوفا (1861-1926 أحد أعضاء جمعية العاديات (الآثار) المصرية في القاهرة (ورد في الكتابات الهيروغليفية أنه كان في سالف الأعصار هيكل ليس ببعيد عن دير الأقباط المسمي الآن دير بابيلون، وفي هذا الهكيل كان كهنة الأقباط (في عصر الوثنية) يحلون العجل أبيس (أحد معبوداتهم) ليستريح برهة أثناء مسيرته من (منف) إلي عين شمس. وكان اسم هذا المكان بالقبطية (بي أبين اون) أي مقام أبيس في سيره إلي (اون)، وهي هليوبوليس. فحرف اليونان هذا الاسم وجعلوه (بابيلون) (انظر كتاب تاريخ الأمة القبطية في عصري الوثنية والمسيحية لسليم سليمان صفحة 268,267).
وتؤكد المصادر التاريخية أنه كان في بابيلون معبد لليهود شبيه بهيكل أورشليم بني نحو سنة 160 ق.م (تاريخ الكنيسة القبطية لمنسي القمص صفحة 4) وأن مجمع اليهود القائم الآن في هذه البقعة والمعروف بمجمع بن عزرا والذي بني نحو 1150 لميلاد المسيح، وكان قبل ذلك كنيسة قبطية باسم رئيس الملائكة ميخائيل، قد أقيم في الموقع نفسه الذي كان يقوم عليه مجمع يهودي آخر أقدم عهدا. وهذا المجمع بدوره كان قد شيد في المكان نفسه الذي وعظ فيه النبي إرميا عندما جاء إليمصر. (إرميا43:7,6) و(44:15-24).