هو أحد المساجد الأثرية المهمة في العصر المملوكي ومن منشآت أسرة قلاوون “جامع الناصر محمد” و يقع في وسط القلعة تقريباً على يسار الداخل من البوابة الوسطى للقلعة قادماً من الباب الجديد ويعد أحد أبرز المعالم المعمارية للقلعة، فهو واحدا من أغرب وأجمل المساجد حول العالم، كونه تحفة معمارية مزج القائمون على تصميمها بين كل الفنون المعمارية،وقد قام الناصر محمد الذى استمرت فترة حكمه قرابة أربعة وأربعين عاما بإنشاء جامعه هذا في موقع جامع قديما ذكر المؤرخون أنه كان يرجع إلى عهد الملك الكامل بن أيوب وقد كان وقتها يوجد مجموعة من المساجد الصغيرة متفرقة فى انحاء القلعة علاوة على مسجد سعد الدولة وكان أكبر مساجد القلعة ،ولوقوعه على القسم السلطاني أو في دار السلطنة بالقلعة ، فقد تم اختياره كمسجد جامع للقلعة ومع التوسعات المتلاحقة التي شهدتها القلعة بدءاً من عصر الظاهر بيبرس إلي عصر الناصر محمد بن قلاوون والتزايد المستمر في أعداد المماليك خاصة المماليك السلطانية كان لابد من إنشاء مسجد جامع بالقلعة يكون أكبر حجماً من مسجدها .القديم وهذا ما قام به الناصر محمد
“إنشاء الجامع”
بدأ الناصر محمد في إنشاء جامعه هذا
عام(718هـ/1318م) حيث قام بهدم الجامع القديم و إعادة إنشاءه من جديد كما ضم إليه منشات كانت بجواره وهي الحوائج خانة(مطابخ) و الطشتخانة (حمامات ) و الفرشخانة(اماكن معدات النظافة) وهي منشات خدمية هدمت لكي يتم زيادة مساحة المسجد وتم انشاء وتشطيب وتجهيز هذا المسجد في أربعة شهور و خمسة و عشرين يوماً وكان هذا الجامع يعرف بأسم عديدة منها الجامع الناصري نسبة إلي الناصر محمد و بأسم جامع الخطبة وذلك لأنه كان الجامع الرسمي الذي تقام فيه صلاة الجمعة داخل المقر الرسمي
للحكم في عصر المماليك
“تجديد المسجد”
وفي عام (735ه/1335م) قام الناصر محمد في بتجديد
عمارة مسجده ، و قد جاء هذا القرار في أعقاب الانتهاء من الإيوان الناصري المواجه للمسجد ،والذي يبدو من تتبع الربط بين المنشأتين أن الناصر أراد أن يخلق توازناً معمارياً بينهما، وذلك أن عمارة الإيوان جاءت أكثر ارتفاعا ًمن المسجد وتميزت عنه بقبته الخضراء العالية
وقد قام الناصر محمد بتوسيع الجامع ليتسع لما يقرب من خمسة آلاف مصلي وظل يٌستخدم كمسجد جامع لساكني القلعة وما حولها طوال الحكم المملوكي ثم العثماني من بعده،حتى أقام محمد علي باشا جامعه في مقابلته من الجهة الغربية.
الجامع فى كتابات المؤرخين
يصفة المقريزي بقولة (هذا الجامع أنشأه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في سنة ثمان عشرة و سبعمائة ، وكان قبل ذلك هناك جامع دون هذا ، فهدمه السلطان وهدم الحوائج خانة والفراشخانة وعمله جامعاً ثم أخربه في سنة خمس و ثلاثين وسبعمائة ، وبناه هذا البناء فلما تم بناؤه جلس فيه وأستدعي مؤذني القاهرة ومصر و جميع القراء و الخطباء ، و عرضوا بين يديه وسمع تأذينهم و خطابتهم و قراءتهم، فأختار منهم عشرين مؤذناً رتبهم فيه ، وقرر فيه درس فقه ، وقارئاً يقرأ في المصحف ، و جعل عليه أوقافاً تكفيه و تفيض ، وصار من بعده من الملوك يخرجون أيام الجُمع إلي هذا الجامع و يحضر خاصة الأمراء معه من القصر و يجئ باقيهم من باب الجامع ،فيصلى السلطان عن يمين المحراب في مقصورة خاصة به و يجلس عنده أكبر خاصته ،و يصلي معه الأمراء خاصتهم و عامتهم خارج المقصورة عن يمينتها و يسرتها عل مراتبهم فإذا انقضت الصلاة دخل المقصورة و دور حرمه و تفرق كل واحد إلي مكانه “، وأضاف أيضاً “هذا الجامع متسع الأرجاء مرتفع البناء مفروش الأرض بالرخام مبطن السقوف بالذهب ، و بصدره قبة عالية يليها مقصورة مستورة هي و الرواقات بشبابيك الحديد المحكمة الصنعة
و يحدثنا أبو بكر الدواداري عن حوادث سنة 734ه أنه بينما كان السلطان يصلي الجمعة بالناس ، وثب رجل عجمي وفي يده سكين و قصد المقصورة السلطانية للاعتداء على السلطان فمسك فى وقتها ، ويذكر عن حوادث سنة 735ه أنه “فيما صدرت المراسيم الشريفة بهدم الجامع الذي أنشأه السلطان بالقلعة المحروسة وأن يجدد بناءه فهدم ما كان من داخله من الرواقات والمقصورة والمحراب، و جدد بناءه بما لم تر العيون أحسن منه ، و اعلي قناطر الرواقات إعلاء شاهقاً
و كذلك القبة أعلاها حتى عادت في الارتفاع ، وأحضر لهذا الجامع أعمدة عظيمة كانت منسية بمدينة الأشمونين بالوجه القبلي ، و كانت هذه الأعمدة في البربا التي بمدينة الأشمونين في عهد الكهنة ،و إن نقل هذه العمدة من الأشياء التي حارت فيها العقول ،نقلها مولانا السلطان بأسهل ما يكون وذلك بأن ندب لهذا الأمر الأمير سيف الدين أروس بغا الناصري مشدا بحمل هذه الأعمدة ، وسير في خدمته المهندسين و العتالين و الحجارين ،وكتب للولاة بالوجه القبلي و هم والي أسيوط و منفلوط ووالي الأشمونين ووالي البهنساوية بجمع الرجال من الأقاليم ،وقرر علي كل والٍ عدة من هذه الأعمدة و جرها إلي ساحل البحر الأعظم وندب لها المراكب الخشنة، وحملت في أوائل جريان النيل المبارك ، ولما حضر إلي ساحل مصر انتدب لجرها الولاة بمصر و القاهرة الذين جمعوا الألاف الناس وكان لهم همة عظيمة حتى وصلت و أقيمت في هذا
الجامع السعيد
“خطة الهدم”
هذه الخطة التي ذكرها الدواداري توضح أن الهدم لم يشمل
مداخل المسجد ولا المآذن ولا الجدران الخارجية ، و يبدو أنه قد تم هدم السقف و بعض الأروقة ، و يظهر رفع الجدران بوضوح في المدخل الشمالي الشرقي الذي يعلوه حالياً صف من النوافذ ، بينما كان المدخل قبل إجراء هذه الإضافة يصل إلي ارتفاع الشرفات المسننة التي تعلوه حالياً ، و كذلك المئذنتين التي يتضح أن جدران المسجد ارتفعت عنهما ، وهذا يبين لنا سبب وجود صفوف من العقود الحجرية تعلو البائكات المطلة علي صحن المسجد والتي أضيفت في التجديد الأخير للناصر ،أما القبة الخضراء التي تتقدم المحراب فقصد بها أن تعادل قبة الإيوان الناصري
و يضيف الدواداري عندما تحدث عن القبة :.” فقد أعاد السلطان بناء القبة وجعلها عالية شاهقة ، بعد أن أحضر لها الأعمدة الجرانيتية الكبار من الأشمونين و جدد المقصورة علي يمين المحراب الذي جدد بناءه أيضاً.ومن هذه الكلمات يتضح أن الناصر محمد كان قد جدد الجامع ثم عاد فأعاد بناء بعض أجزائه ،وقد ورد هذا واضحاً في الشريط الكتابي المنقوش علي المدخل الرئيسي بالواجهة الغربية و به تاريخ البناء(718ه/1318م) ، بينما نقش علي القبة بعد تجديدها أعلي مما كانت عليه تاريخ (735ه/1335م)
“اعظم الجوامع”
ويصف القلقشندى جامع الناصر محمد فيقول :.”جامع الخطبة من أعظم الجوامع و أحسنها و أبهجها منظراً و أكثرها زخرفة ،متسع الأرجاء ، مرتفع البناء ،مفروش الأرض بالرخام الفائق ،مبطن السقف بالذهب ،وفي وسطه قبة يليها مقصورة يصلي فيها السلطان الجمعة ، مستورة هي و الرواقات المشتملة عليها بشبابيك من حديد محكمة الصنعة، يحف بصحنه رواقات من جميع جهاته ،و يتوصل من ظاهر الجامع إلي باب الستارة ودور الحريم السلطانية”
.ويذكر ابن إياس عن تجديد الجامع أيام السلطان الأشرف قايتباي فيقول :.”في (صفر سنة 876ه/ يوليو 1471م) رسم السلطان لابن الطولوني بأن يجدد عمارة الميضأة التي بجامع القلعة فوسعها ، وترميم عمارة الجامع فأصرف علي ذلك ألف دينار “، ويذكر ابن إياس أيضاً أن قبة الجامع كانت تعرف بأسم القبة الخضراء لأنها كانت مكسوة ببلاطات من القاشاني الأخضر اللون قد سقطت في عصر السلطان قايتباي وأُعيد بناؤها
فيقول :.”في (رجب سنة 893ه/يونيو1488م) كان قد تم الانتهاء من عمل القبة التي جددها السلطان بجامع القلعة عوضاً عن التي سقطت فجددها و جدد المنبر و صارت من أحسن المباني
“الوصف المعماري ”
يأخذ هذا الجامع شكل مربع تقريباً، إذ يبلغ طوله من الشمال إلي الجنوب 63م ،وعرضه من الشرق إلي الغرب 57م و يتكون من صحن أوسط مفتوح يضم أربعة أروقة؛ أكبرها رواق القبلة وهذا الصحن مساحته 35.5م طولاً×23.5م عرضاً
ويشتمل رواق القبلة علي أربعة صفوف من العقود (أربع بلاطات)موازية لجدار القبلة مكونة من بائكات من عقود علي شكل حدوة الفرس وقد قويت أركان الصحن بأربعة أعمدة جرانيتية ضخمة بينما يشتمل كل من الأروقة الثلاثة الأخرى علي صفين من العقود ترتكز جميعها علي أعمدة رخامية مختلفة الأحجام و متنوعة التيجان بمجموع 72 عمود وتيجان الاعمدة قديمة و متعددة الأشكال منها الفرعونية، والبطلمية، والرومانية والبيزنطي والقبطي ومنها ما هو منقوش بزهرة من اللوتس الفرعونية أو رسومات تعبر عن العصور الأخرى. ويشتمل رواق القبلة علي أربعة صفوف من البوائك تحتوي كل بائكة منها علي عشرة أعمدة تحمل
أحد عشر عقداً و تسير أروقة القبلة موازية لجدار القبلة ، باستثناء البائكتين الأولي و الثانية التي حذف من كل منهما عمودين لإيجاد مساحة مربعة أمامها احد تيجان الاعمدة الموجودة داخل المسجد ليغطيها قبة ضخمة ويتوسط رواق القبلة المحراب الذي تسقفه قبة كانت مغطاة أصلا ببلاطات قاشاني خضراء.
و قبة هذا الجامع قبة خضراء تقع فوق المحراب تشبه قبة المسجد النبوى، وهى من القباب المتميزة جداً في العصر المملوكي ، حيث تتألف من مربع حجري يرتكز علي مجموعة من العقود ، ثلاثة علي كل جانب و ترتفع فوق عشرة أعمدة من الجرانيت الأحمر
القبة الخضراء
القبة والماذنة
احد تيجان الاعمدة الموجودة داخل المسجد
احد تيجان الاعمدة الموجودة داخل المسجد
احد تيجان الاعمدة الموجودة داخل المسجد
احد تيجان الاعمدة الموجودة داخل المسجد
احد اعمدة المسجد
احد تيجان الاعمدة الموجودة داخل المسجد
ويعلو المسجد مئذنتان إحداهما تجاه الشمال و الأخرى تجاه الغرب وعن تصميمهما فهم متأثرتين بطرز مآذن شرق العالم الإسلامي خاصة مدينة تبريز، وتشبهان مئذنة مسجدعلي شاه بتبريز ،و يبدو أن مئذنتي مسجد قوصون كلتاهما شيدتا علي هذا الطراز ،و أراد الناصر أن تكون مئذنتا مسجده علي هذا الطراز ، فكلف المعلم التبريزي الذي شيد مئذنة قوصون بتشييد مئذنتي مسجده ويظهر التأثير التبريزي في مئذنتا الناصر بشكل خاص في الشريط الكتابي من القاشاني وفي عمتي المئذنتين ذواتي بلاطات القاشاني الخضراء وكغيره من الجوامع الأخرى.
يلف جامع الناصر محمد بن قلاوون من أعلى فتحات نوافذ كانت قديما مغطاة بأحجبة جبسية رائعة الجمال وحليت جوانبه بالأطباق النجمية المطعمة بالصدف، أما منبر الجامع فهو من الرخام الملون وكذلك الأرضية، وبالإيوان الشرقى للمسجد يوجد كرسى للمصحف من خشب الورد
ولهذا المسجد بابان أحداهما غربي تجاوره مئذنة تمتاز ببدنها الاسطواني وقمتها التي غشيت بالقاشاني وتوجد فوقه لوحة تأسيسية من الرخام باسم الناصر محمد بن قلاوون مؤرخة بتاريخ البناء الأول سنة 718 ه و يقع الباب الثاني بالواجهة الشمالية ، وفي نهايتها ترتفع مئذنة ثانية تمتاز بقاعدتها المربعة و بدورتها الثالثة كتابة بالخط النسخ نصها” الله لا أله ألا هو الحي القيوم”و يتوسط المدخل الرئيسي باب تذكاري يبرز عن سمت الواجهة بمقدار (1.35م و واجهة المسجد تخلو من أى زخارف على غير عادة أهل هذا العصر، والذين كانوا يهتمون بالزخارف
ومن الاشياء الفريدة التى توج بهذا الجامع نقش فوق أحد أعمدة الرواق الغربي المطلة علي الصحن مزولة شمسية وهي من عمل أحمد بن بكتمر الساقي وهي تعتبر أقدم الأمثلة القائمة بمساجد مصر الإسلامية بعد مزولة جامع أمد بن طولون التي أضيفت إليه أثناء تجديدات السلطان لاجين سنة696ه/1296م ،وقد اعتنى السلطان قايتباي باصلاح وتجديد الجامع ، فقام باصلاح الميضأة سنة 876هـ(1471م)، وفي سنة 893هـ (1487م) قام باعادة بناء القبة الني كانت قد تداعت، وجدد له منبرا من الرخام الملون.
وفي سنة 1947 قامت لجنة حفظ الآثار العربية باصلاح وتجديد الجامع حيث كانت حالة الجامع قد ساءت في العصر العثماني، فقد هُدمت قبته وضاع منبره، وحوله الإنجليز أثناء احتلالهم للقلعة إلى مخزن لمهمات الجيش، كما استخدم كسجن وقامت لجنة حفظ الآثار العربية ببناء ما تهدم من جدار المحراب، واعادت بناء القبة الكبيرة أمام المحراب وعملت له منبراً من الخشب، وكست اللجنة أرضية الجامع بالحجر الجيري بدلاً من الرخام. وفي عام 1983/1984 قامت هيئة الاثار المصرية بترميمه وتجديده ضمن ما تم ترميمه من المباني الأثرية بالقلعة
وحاليا يتبع المسجد منطقة آثار القلعة
مقرنصات اعلى اروقة المسجد
شبابيك المسجد
سقف خشبى لاحد الايونات
شبابيك التهوية
محررة وطنى بصحن المسجد
حررة وطنى امام المحراب والمنبر
المنبر وخلفة المحراب
المنبر
المنبر الخشبى
المدخل الرئيسى
المزاولة الشمسيةا
المدخل الثانى للمسجد
احد النقوش فوق باب المسجد
داخل المسجد ويظهر من الخلف جامع محمد على الكبير
داخل المسجد ويظهر من الخلف جامع محمد على الكبير
داخل المسجد ويظهر من الخلف جامع محمد على الكبير