الزواج في المسيحية هو سر مقدس ، رباط روحي يرتبط فيه رجل واحد وإمرأة واحدة، ويتساوى فيه كل من المرأة والرجل فيكون كل منهما مساويا ومكملا للاخر وذلك بحسب الكتاب المقدس: “لذلك يترك الرجل اباه وأمه ويلتصق بإمرأته ويكونا جسدا واحدا”. مما يعني أن رباط الزواج يدوم بين الرجل والمرأة في محبة الله ومخافته، ليتكامل في جو من القدسية والمحبة والتفاهم والعطاء والتضحية، وعليه يجب أن يعيشا معاً ويحافظا على مبادئهما المسيحية في السرّاء والضراء .
رغم ذلك عندما يواجه الزوجين صعاب الحياه يطالبوا بالطلاق والانفصال عن الأخر، وعلى الجانب الاخر نجد مطلقات داخل عش الزوجية يرفضون الانفصال وتشريد أطفالهم وتمزيق الاسرة وكسر هذا السر المقدس ليظلوا منفصلين داخل منزل الزوجية .
“أزواج .. ولكن”
مع هذه الأسر تحدثنا، فتقول س. ج متزوجة منذ ثلاثون عام ولدى من الابناء شابين وفتاه منذ ما يقرب من عشر سنوات قررنا أنا وزوجى الانفصال ولكن حتى لا يشعر الاولاد بالعار أو الاهانة نعيش فى منزل واحد وكأننا أغراب ، لا يجمعنا شئ تماما ، حتى لقاءنا بالاولاد كل واحد على حدة ، وأن تاثر الاولاد بسبب ذلك نفسيا ، فاشعر بأنطواء الفتاة وبعض العنف والحساسية لدوى الاولاد ، ولكنى اصلى حتى يرعاهم الله ، فقد بذلت كل ما استطيع حتى يكونوا فى أفضل حال .
وعندما تحدثنا للاستاذ ف ، قال زوجتى امرأة عنيفة واهلها أشرار ، فلم استطع تحمل تسلطها على وحاولت كثيرا أن أهرب من المنزل ، ولكن الاباء الكهنة والخدام فى كل مرة يثنونى لأعود للمنزل من أجل أطفالى ، وفى النهاية أعيش فى منزل الزوجية واتحمل نفقاته كاملة ولكنى كالغريب فيه ، حتى لا أخري أولادى أمام زملاؤهم أو الجيران أو العائلة الى أن يرتب الله الامور .
“مكاتب للارشاد الاسرى بالكنائس”
حول المطلقات والمطلقين داخل منازل الزوجية ، من تحملوا هذا العبء راضيين للحفاظ على هذا السر و على اولادهم ، تحدثنا مع الدكتور جمال شحاتة أستاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان وأستاذ الارشاد الاسرى بمعهد الرعاية والتربية بالكاتدرائية المرقسية، الذى وضح انه علينا أولا أن نعرف أسباب الانفصال ثم كيفية معالجتها ، فأسباب الانفصال ترجع أولا الى سوء الاختيار، الذى لم يكن على أسس روحية وأسرية ونفسية سليمة.
ثانيا: سوء التوافق فكل طرف له ميول ورغبات غير متقاربة ، مع غياب المشاعر والحوار والتفاهم والتفاعل ، ولكن السبب الاهم هو غياب السيد المسيح فى البيت، فالهدف من الزواج هو تكوين أسرة مسيحية داخلها المسيح ، وأن كان السيد المسيح غير موجود ، والصلاة والانجيل غائبين ، ولا يوجد إرشاد روحى وأسرى لهم حينها ستتفكك الاسرة .
أشار أن الانفصال فى المنزل الواحد له عدة اخطار اولهما التاثير السلبى نفسيا واجتماعيا على الزوجين والاولاد، و الخطورة الثانية أن كل طرف يحاول أن يستقطب أحد الاطفال إلى جانبه ويسئ إلى الطرف الاخر بالتالى تدمر صورة الاب أو الام أمام الاطفال، بل نجد أن هؤلاء الاطفال يرفضوا لا شعوريا فكرة الزواج حتى لا يكرروا ما شاهدوه ، والحياة الزوجية فى الاساس مشاركة ، فكيف ستكون هناك مشاركة بين زوجين منفصلين، وكيف ذلك وقد اصبحوا جسد واحد بسر الزيجة المقدس .
بالتالى الانفصال الاجتماعى أو الجسدى ليس الحل وأن اعتبره البعض حل للمشاكل مع الابقاء على الشكل الاجتماعى خوفا من المجتمع أو العادات والتقاليد ، بل يجب أن نكتشف أسباب عدم التواصل ، بل بالتفاهم والالتقاء فى منتصف الطريق ، وحل المشاكل الصغيرة قبل التفاقم، وعدم مشاركة اطفالنا فى مشاكلنا الزوجية ، مع البحث عن من نستطيع اللجوء اليه فى مشاكلنا سواء داخل عائلتنا أو داخل الكنيسة أو متخصص وعدم التسليم للامر الواقع ستحل المشكلات ، فهذه حياة أسرة باكملها من زوج وزوجة وأطفال ، والترك هنا سيدمر هذه الاسرة تماما .
عن دور الكنيسة أكد شحاتة ، أن الكنيسة لن تقوم بكل شئ ، فالسيد المسيح قال فى الكتاب المقدس أن الحصاد كثير والفعلة قليليون ، لا يقصد هنا نقص عدد الخدام فقط بل قلة من حيث الجودة والكفاءة والكفاية ، فحتى الكاهن والاسقف غير المتخصصين سيقفوا أمام بعض المشاكل الاسرية ، بالتالى نحتاج الى متخصصين ، مثل عندما يصيب شخص بالمرض يذهب لطبيب وليس كاهن .
يرى أستاذ الارشاد الاسرى أننا نحتاج الى نشر ما تقدمه المطرانيات والكاتدرائية من خدمات أسرية من مراكز الارشاد الاسرى بل يجب أن تدعم من الاباء الكهنة ونشرها بالكنائس، وهذا موجود بالفعل فى كنيسة العذراء بالزيتون .
بالتالى على الاباء الكهنة التوعية بأهمية وضرورة التخصص ويكون فى كل كنيسة مكتب للارشاد الاسرى يضم متخصصين نفسين واجتماعيين بالاضافة الى قانونيين وأطباء ويكون تحت رعاية أب كاهن ، ويكون بشكل مؤسسى مع إعداد خدام وله لائحة ويقوم عليه متخصصين مع التقييم الدورى .
أخيرا يجب أن يدرك القائمين على دورات أعداد المخطوبين والمقبلين على الزواج اهميتها لحياة ابنائهم الزوجية المستقبلية ، فاذا اعطت بشكل جدى وأهتم بها المقبلين على الزواج واعطوها حيز من تفكيرهم للمستقبل سيستفادوا منها الكثير فى حل المشاكل ، كاجراء وقائي لما بعد ، مع الاهتمام بعد الزواج من الكنيسة بمتابعة الاسر المتزوجة حديثا واخيرا يكون هناك مكاتب متخصصة لعلاج مشاكل المتزوجين ، حينها يكون لدينا إجراءات وقائية وعلاجية .
” الاشبين “
يقول الدكتور ياسر سمير مدرب معتمد المركز القبطى الأرثوذكسي للأرشاد الكنسى والمشورة لكنائس حى وسط القاهرة ، نطلق على هذه الأسر،الأسر المستورة نفسيا أى لديهم مشاكل، ولكن داخل بيوتهم ولكنهم يحتاجون إلى دعم وهذا قطاع كبير ممن يقبلوا العيش داخل الاسرة الواحدة ولكنهم غرباء ، ومع الوقت يكونوا قنابل موقوتة ، فيخرج منهم أسر مقسمة واطفال غير سويين .
من أكبر الازمات التى تواجه هذه الاسر أن ليس لديهم استعداد للتحدث خارج الاسرة لمساعدتهم ، ويرجع ذلك الى عدة اسباب ، اولهم سبب يبدوا أنه دينى ، حيث يرى هؤلاء سرية الزواج فى المسيحية بشكل غير صحيح ، بمعنى انه لا يجب أن يعرف أحد عنه شئ ، وهذا كلام غير صحيح ، فالعلاقة الشخصية بين الزوج والزوجة سر بينهم ، ولكن العلاقة الاجتماعية والاسرية ليست سر ، فإذا ادركوا ذلك ولجأوا إلى متخصص سيكون أفضل بدلا من تفاقم المشاكل حتى تدمر بيتهم .
أما السبب الثانى ، هو أن العلاقات الاسرية تحتاج إلى تدريب طويل بل أن التدريب يتطور مع كل مرحلة جديدة ، مثل الموظف الذي يتدرب للعمل ومع كل ترقية يتدرب على شئ جديد ، فيجب أن يكون هناك مسئول عن هذا الشخص وتدريبه ومتابعته ، كذلك على الزوجين أن يكون لهم مرشد يرجعوا له ، وهذا غير موجود على أرض الواقع الا من التدريب الذى ينالوه قبل الزواج ” دورة إعداد المخطوبين والمقبلين على الزواج ” .
كما أن الكنيسة عندما كانت تتحدث عن أشبين الزوجين لم تكن تقصد زملاء العريس والعروس ، بل كانت تقصد وجود زوج وزوجة أكبر سنا معروف عنهم الورع والتقوى ، يسلموا الايمان السليم والزواج الناجح والقبة ب ” مشروع الاشبين ” للاسرة الحديثة ، لذا أقترح أن تهتم الكنيسة بهذ المشروع من إعداد خدام متزوجين كبار يتبنوا أسر حديثة ويجلسوا معهم فى مشاكلهم منذ أول زواجهم وفى مشاكلهم الصغيرة وكيفية مواجهتها، فالكنيسة هى الشعب والخدام وليس فقط الاباء الكهنة ، ولكن على الخدام أن يكون لهم رؤية ونعطيهم التدريب المناسب ، وسيكون لدى هؤلاء نقطة مهمة وهى الواقعية ، حينها سنجد الاسر الاقدم تهتم بالاحدث .
عن الانفصال داخل المنزل أفضل من الانفصال التام ، أكد ياسر أن كل أنواع الانفصال سيئة حتى وأن ظلوا فى نفس المنزل سواء كانت بسبب الاطفال أو الشكل الاجتماعى أو لاسباب مادية ، هى فى النهاية تدمير للاسرة ، فسنجد الاولاد يشاهدوا الوالدين كتلتين متنافرتين ولا يدركوا أيهما أصح ، ويمكن أن يرجع الطفل الذنب الى نفسه ، فيشعر الطفل انه السبب والمذنب ، وبالنسبة للزوجين سيكون مجهد وقاتل نفسيا حيث يعيش مع الاخر وهو يدرك أنه لا يحبه فيبحث عن الحب خارج الاسرة ، بل أن كان أحد الطرفين خادم فى الكنيسة سيؤثر سلبا على المخدومين ، لذا الحل هو البحث عن مساحة مشتركة للحوار والتأكيد أن الطرفين مخطئين وليس أحدهم فقط .
مضيفا أن هناك عوامل يجب أن يلاحظها الزوجين منذ البداية حتى لا يتركوا الاحداث تتفاقم بينهم ، اولهما هو تكرار الحديث عن نفس المشكلة بدون حل ، ثانيا: بداية فى ضعف المشاعر بينهم نتيجة المشاكل فيهربوا من التواجد معا فى المنزل حتى لا تتجدد المشاجرات ، ثالثا: التطور فى الشجار سواء لفظى أو بدنى ، بالاضافة إلى ظهور تأثير ذلك على أحدى طرفى الزوجين أو الاولاد من خوف وقلق وتأخر دراسى .
فيما يخص مسئولية الكنيسة ، قال إن الاباء الكهنة لا يستطيعوا حل كافة مشاكل الكنيسة لزيادة مسئولياتهم ، وهذا القطاع من الاسر لا يوجد اهتمام به بالفعل ، فيرى الخدام طالما أن الزوجين لا يوجد بينهم شجار سيستمروا ، وهذا هو دور منظومة الكنيسة أيضا وليس فقط الاباء الكهنة لذا نحتاج الى تفعيل دور الاعلام بالكنيسة لنشر الوعى والمعرفة لشعب الكنائس وتدريب كوادر داخل الكنائس من معاهد المشورة الموجودة سواء معهد المشورة بالمعادى أو وسط البلد، وتنظيم مكاتب عن هذه المشورة والاعلان عنها وتقديم الخدمة للأسر مثلما يوجد طقم للكشافة ولجان بالكنائس يكون هناك لجنة للمشورة الاسرية.
بالتالى العلاج هو مشروع الاشبين و تدريب خدام متخصصين ، وإعلام الشعب بذلك والاعلان عن هؤلاء المتخصصين والاقسام من خلال بوسترات أو الاباء الكهنة فى الاجتماعات وبعد القداسات، ونحتاج إلى تغيير ثقافى وإجتماعى وتوعية للشعب بأهمية الارشاد الاسرى .