عقد مركز القاهرة للتنمية والقانون، اليوم، مؤتمرًا صحفيًا، لإطلاق دراسة بعنوان العنف المقنن ضد النساء “مقترح مشروع قانون لتجريم العنف ضد النساء وتوفير الحماية لهن” من إعداد المحامي الحقوقي سيد أبو العلا، حيث قام الباحث بعرض الدراسة ثم فتح باب النقاش والأسئلة، وفي هذه الدراسة نقوم باستعراض الإطار القانوني الدولي والمصري الذي يوفر الحماية للنساء من العنف، و قياس مدى توافق التشريع المصري مع الصكوك الدولية في ذلك. مستفيدين من مخرجات ونتائج اجتماعات عدة حلقات للنقاش عقدها مركز القاهرة للتنمية والقانون مع المتخصصين، المهتمين والمهتمات، والناجيات من العنف؛ للخروج بمشروع قانون مصري يناهض العنف ضد النساء.
تتنوع وتتعدد أشكال العنف ضد النساء منذ طفولتها وتزداد حدة في شبابها وكهولتها ويمارس العنف من الرجل ضد النساء في كثير من الأحيان استنادا علي الرابطة العائلية كالأزواج والآباء، بالإضافة لعنف الرجال في الشوارع و في أماكن العمل.
ويتنوع العنف ضد المرأة بين ما هو فردي ويتمثل في الإيذاء المباشر وغير المباشر للمرأة باليد أو اللسان أو الفعل أياً كان، وبين ما هو جماعي الذي تقوم به مجموعة بشرية بسبب عرقي ،أو طائفي، أو ثقافي، والذي يأخذ صفة التحقير أو الإقصاء أو التصفيات، وبين ما هو رسمي تجاه فئات اجتماعية ضعيفة أو مهمشة.
وعلى مستوي القانون بالرغم من وجود بعض النصوص التي توفر الحماية القانونية للنساء، لاسيما أن أغلب التشريعات في مصر تساوي بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات, إلا أن هناك تمييزا على مستوى النص القانوني في بعض التشريعات المصرية, وأيضا هناك تمييزا ضد النساء على مستوى تطبيق القانون, بالإضافة لعدم وجود قوانين خاصة بحماية النساء من العنف تنص علي تدابير حمائية, ولا قوانين خاصة بالحماية من العنف المنزلي كظاهرة مستشرية تحميها القوانين المصرية ولا تناهضها.
فما زالت هناك العديد من صور التمييز بسب الفجوة بين القانون والتطبيق الناتجة عن عوامل اجتماعية وثقافية متعلقة بتدني وضع النساء ومكانتهن في المجتمع ولانخفاض الوعي القانوني لدى النساء وتغلب العادات والتقاليد الرجعية على العلاقات في المجتمع.
وتهتم هذه الدراسة أيضا بجانب العنف ضد النساء عموما بكل أنواعه وصوره, بالعنف الأسري خصوصا والذي ينجم عن التوظيف السيء للقوة تجاه الأضعف داخل كيان الأسرة، وهو أكثر أنماط العنف شيوعاً، وغالباً ما يكون ضحاياه من النساء والأطفال داخل الأسرة، وهي ممارسة منتشرة ومقبولة لدى طبقات المجتمع المختلفة.
فتتناول الدراسة في الفصل التمهيدي منها, المقصود بالعنف ضد النساء, والمقصود بالعنف الأسري, وصور وأنواع العنف, من بدني ونفسي وجنسي.
ونورد مجموعة من الأرقام والإحصائيات عن ظاهرة العنف ضد النساء. ونتائج هذا العنف وتأثيراته السلبية على النساء والأطفال والأسرة والمجتمع ككل، ومدى التكلفة الإقتصادية لظاهرة العنف.
وفي الفصل الأول منها : نحصي كافة المواثيق الدولية التي تنص على حقوق النساء الإنسانية, وعلى حماية النساء من العنف والتمييز ضدهن في الحصول على حقوقهن، ثم نورد أهم نصوص اتفاقية “السيداو” الخاصة بمناهضة كافة أشكال التمييز ضد النساء, والتي تنص علي مجموعة من التدابير الاحترازية التي يجب أن تقوم بها الدول الأعضاء في الاتفافية ومنها مصر, في مجال حماية النساء من العنف والتمييز, ومن هذه التدابير وجوب قيام الدول بإزالة أي تمييز ضد النساء في التشريعات الوطنية, وأي تمييز على مستوى تطبيق القانون, وعلى مستوى حصول النساء على حقوقهن من مؤسسات الدولة, بالإضافة إلى إلزام الدول بتأسيس مؤسسات اجتماعية تكون مسئولة عن تقديم خدمات الحماية والرعاية للأسرة والمرأة والطفل، ثم يأتي دور الإعلان العالمي لمناهضة العنف ضد النساء, والصادر عن الأمم المتحدة, والذي عرف العنف ضد النساء عموما والعنف الأسري, وشرح بشكل وافِ كل أنواع العنف وصوره, وضرورة مواجهته.
وهو ما اهتدينا من خلال نصوصه-التي تمثل قمة تطور المواثيق الدولية في مجال مواجهة العنف ضد النساء- إلى تعريفات العنف وجرائمه في مشروعات القوانين التي صغناها في هذه الدراسة.
ثم يأتي الفصل الثاني وهو محور هذه الدراسة ليتحدث عن حماية النساء من العنف في الدستور والقوانين المصرية, وهل نصت تلك القوانين علي حماية النساء من العنف, وهل تتوافق مع المواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر؟ ونفرد الجزء الأول من هذا الفصل لمواد الدستور المصري الجديد التي تتعلق بالنساء حيث شكلت تطورا ملحوظا في مجال النص علي حقوق النساء المتساوية مع الرجال وحمايتها, ولكن مازالت مواد الدستور إلي حد كبير حبرا علي ورق تحتاج إلي ترجمة علي ارض الواقع من خلال تعديل التشريعات المصرية المتعلقة بهذا الشأن.
وفي الجزء الثاني من هذا الفصل نتحدث عن قانون العقوبات المصري رقم 57 لسنة 1937, مستعرضين لكل نصوصه التي تتعلق بالنساء وفيه بعض الأبواب التي تنص علي حماية النساء من بعض أنواع العنف، ولكن غابت عن مواده تعريفات واضحة وشاملة لكل أنواع العنف.
ونصت بعض مواده على تمييز واضح ضد النساء, وأحيانا قننت مواده العنف ضد النساء وسبغت على مرتكبيه من الرجال الحماية تحت ادعاء حقوقهم الشرعية مثل المواد ( 7 ,17, 60). كما وغاب عن بعض مواده الحماية الكافية للنساء والعقوبات الرادعة لمرتكبي العنف ضدهن.
وفي الجزء الثالث، من هذا الفصل تتحدث الدراسة عن الإشكاليات التي تعيق قانون العقوبات عن مواجهة العنف ضد النساء، بالإضافة إلى إشكاليات التطبيق العملي لنصوص قانون العقوبات وبعض القوانين الأخرى التي تميز ضد النساء ولا تقدم وسائل الحماية لهن من العنف, مثل قوانين الأحوال الشخصية وتعددها الذي يمثل عقبة رئيسية في مدي معرفة النساء به ووصولهن لعلاقات عادلة داخل الأسرة.
وجاء قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008 ليشكل تطور ملحوظ في مجال الحماية التي ينص عليها للأطفال داخل الأسرة، وفي المجتمع ونص على بعض الإجراءات الحمائية لهم ولكن لم يضمن لها وسائل التنفيذ العملية في أرض الواقع.
وأخيرا جاء الفصل الثالث من الدراسة، والذي يتبلور فيه مقترحنا, بعد أن درسنا واقع العنف في المجتمع ومدى حماية القانون المصري للنساء منه، لنخرج من هذه الدراسة بالعيوب الموجودة في القانون الحالي التي نحاول تفاديها في مشروعات القوانين التي صغناها ونطرحها في هذه الدراسة.
فنحن نطرح في هذا الفصل مقترحا شاملا للإطار التشريعي المصري الذي يقدم الحماية للنساء من العنف في ثلاث قوانين هم :
– قانون موحد للأسرة المصرية ينص على علاقات عادلة بين النساء والرجال في إطار الأسرة ويشمل هذا القانون بابا ينص على تأسيس “مراكز حماية الأسرة والمرأة والطفل” وهي مؤسسات مستحدثة -من خلال مقترحنا المقدم في هذه الدراسة – توفر مجموعة من الخدمات الحمائية للنساء (قانونية-إجرائية-اجتماعية- نفسية-طبية), ولتكون تلك المراكز وحدها دون غيرها المسئولة عن حماية النساء من العنف وملجأ لهن وللأطفال وللأسرة من جرائم العنف الموجهة إليهن.
وتشكل هذه المراكز وسيلة إنسانية ملائمة لخصوصية النساء وتلك القضايا, وإبعادها عن أقسام الشرطة والنيابات والمحاكم التي لا تعد أماكن ملائمة ولا آمنة للنساء والأطفال ولا مناسبة لهذه القضايا.
ويشمل هذا المقترح نصوصا تتعلق بطرق تأهيل مرتكبي العنف وليس مجرد العقاب هدفها, حتى يكونوا مؤهلين للاندماج في مجتمع يوفر السلامة والأمان للنساء والأسرة.
واستوجب مقترحنا هذا التعديل على بعض قوانين الأحوال الشخصية وخاصة قانون محكمة الأسرة.
– تعديل قانون العقوبات المصري بإضافة باب جديد إليه خاص بجرائم العنف ضد النساء والأطفال سواء التي تقع في إطار المجتمع أو العنف الأسري, ويشمل تعريفات جديدة للعنف وأنواعه ويشدد في التجريم ضد مرتكبي هذه الجرائم, وفيه اقتراح بإلغاء كافة المواد في قانون العقوبات التي تميز ضد النساء, والنصوص التي تحمي مرتكبي العنف وتقننه.
– قانون الطفل هو القانون الثالث ضمن هذا الإطار التشريعي المقترح في الدراسة, وشملناه ببعض التعديلات، حيث يتوافق ويتناسق مع المشروعين المقترحين, سواء على مستوى التجريم وإجراءات الحماية.
وهكذا نكون قد وصلنا لنهاية هذه الدراسة, وما تبقى إلا دعم كل المناصرين لقضايا النساء والمهتمين بمناهضة العنف ضدهن.
في إطار حملة مستمرة لتبني هذه المقترحات بمشروعات القوانين, من أجل خروجها للنور, ثم تطبيقها على أرض الواقع, وصولا لمجتمع السلامة والأمان للنساء.