شهدت مدينة تازة بالمملكة المغربية، افتتاح المنتدى الدولي الأول لمناهضة الفكر التطرفي، والذي نظمته شبكة تازة التنموية بالتعاون مع مكتبة الأسكندرية.
افتتح المنتدى كلا من : لكبير الحراق رئيس شبكة تازة التنموية، والدكتور خالد عزب رئيس قطاع المشروعات والخدمات المركزية بمكتبة الأسكندرية، و سكينة علي، بالنيابة عن رئيس المجلس المحلي لمدينة “تازة”.
بدأ لكبير الحراق كلمته بالترحيب بالسادة الحضور وبالوفد المصري برئاسة الدكتور خالد عزب، مؤكدا على أن هناك شراكة فعالة وحيوية تجمع مؤسسة تازة التنموية بمكتبة الأسكندرية فيما يخص محاربة التطرف ودراسة سبل التنوير والاجتهاد في هذا الباب، وأنه في هذا الإطار يأتي تنظيم هذا المنتدى، والذي اتخذ عنوانا لتشجيع الإبداع من أدب وشعر كمدخل لمحاربة ومناهضة الفكر التطرفي.
كما أضاف أن تلك هي النسخة الأولى من المنتدى، متمنيا أن تحقق أهدافها وأن تنتقل إلىّ دورات أخرى وشراكات أخرى تضيف لبنة إضافية في طريق تمكين الشراكة ما بين الإطارين، وتعزيز الحقل التربوي وتكثيف التعاون بين كل المتنورين في الوطن العربي من أجل الحد من آفة التطرف.
وقد أكد على أن التطرف لا لون له ولا دين، لكن للتطرف ثقافة وصناعة يغذيانه، ثقافة حاضنة ومشجعة كثقافة الإقصاء ورفض الآخر وتبخيس القيم و الكراهية وثقافة العداء لكل اختلاف وبكل اجتهاد، وصناعة تعتمد على غسل الأدمغة والتخويف والانعزالية واللعب على المتناقضات واستغلال الضعف والقهر.
كما أضاف أن الثقافة هي العامل الأهم في مواجهة التطرف والعنف، وهنا يكمن السؤال الهام، الثقافة في البلدان العربية.. ماذا تنتج؟ وما دور التربية وما هي مناهجها؟ وهل يمكن للأدب والإبداع عموما أن يقف في وجه العنف وأن يساهم في إيجاد مخارج من نفق التطرف؟.
وأكد الدكتور خالد عزب خلال كلمته، على أن مكتبة الأسكندرية تقوم حاليا بتوثيق حياة العلامة عبد الهادي التازي، والذي يعد من أعلام المغرب، لهذا اتجهت مكتبة الإسكندرية لإطلاق نشاطها من مدينة تازة في المملكة المغربية، فقد تخرج عبد الهادي التازي من قسم الجغرافيا في كلية الآداب جامعة الأسكندرية، وكان عضوا في مجمع اللغة العربية، ولعب دورا في مساندة مكتبة الأسكندرية، ولهذا استضافته المكتبة ضمن برنامج الباحث المقيم.
كما أضاف أن برنامج مكافحة التطرف والإرهاب لمكتبة الإسكندرية يقوم على المجابهة الفكرية للتطرف والإرهاب عن عدة مستويات بدءا من دراسة ارتباط العنف بالدِّين عبر آليات علم الاجتماع الديني، لذا أنشأت مكتبة الإسكندرية سلسلة مراصد التي تدرس ظواهر التطرف وتحليل ونقد خطاب الجماعات المتطرفة وكذلك سلسلة التي أسست لتوطيد الدراسات المستقبلية في مصر والطن العربي وبدأت في العمل علي أرض الواقع عبر دورات الثقافة الإسلامية لكي تعطي ثقافة إسلامية عربية معاصرة للأجيال القادمة.
كما بدأت الأستاذة سكينة، وعلى حديثها متقدمة بالشكر لشبكة تازة التنموية ومكتبة الإسكندرية على هذا التعاون الهام والمثمر.
وأكدت على أهمية الفكر ومدى تأثير المفكرين على السلوك العام تأثيرا إيجابيا يَصْب مباشرة في صالح مواجهة التطرف الفكري والعنف.
وتضمنت فعاليات اليوم الأول للمنتدى جلستان، كانت أولاهما بعنوان “تأثير التطرف على الحياة العامة، ومقاربات مختلفة”.
وتحدث المستشار معتز إبراهيم توفيق؛ وكيل نيابة بالإسكندرية خلال هذه الجلسة عن مفهوم التطرف وتأثيره علي الوظيفة العامة، مؤكدا على أن التطرف هو مصطلح يستخدم للدلالة علي كل ما يناقض الاعتدال، زيادة أو نقصانا، وأن اللجوء إلىّ العنف سواء بشكل فردي أو جماعي من قبل هذا الفكر أو الجهة المتطرفة التابع لها بهدف فرض قيمها ومعاييرها أو بهدف إحداث تغيير في قيم ومعايير المجتمع الذي تنتمي إليه وفرض الرأي بالقوة هو أحد أشكال الإرهاب الفكري المنظم، ولذلك دائما ما يكون هناك علاقة وثيقة بين التطرف الفكري والإرهاب، حيث يعتبر الأول المرحلة الأولى للثاني.
كما أضاف أن الفقر والجهل والبطالة يعتبرا أهم الأسباب التي تعد دافعا مؤثرا في نمو ظاهرة التطرف داخل المجتمع.
وأكد على أن الأهداف الرئيسيّة والأساسية للجماعات المتطرفة هو استهداف وإضرار الدولة ومرفقها العام بشكل مباشر وغير مباشر، حيث أن تلك الجماعات المتطرفة تلجأ في غالب الأحيان إلىّ إثارة الرأي العام حيال قضية اجتماعية ومهنية معينة مستخدمة في ذلك اتباعها من العاملين بالجهات الحكومية لبث هذه السموم داخل أروقة العمل بين باقي العاملين وبلبلة الرأي العام داخل المؤسسة الواحدة.
وتحدثت الأستاذة أولغا فرحات؛ ناشطة تربوية لبنانية عن التربية ودورها في تعزيز ثقافة السلام، فقد أوضحت أنه للتربية دورا أساسيا في إرساء الثقافة ونقلها من جيل إلىّ جيل.
كما أضافت أنه منذ القرن العشرين تناولت برامج التربية من أجل السلام باقة واسعة من المواضيع، كالتفاهم الولي والمسئولية البيئية والتواصل واللاعنف وتقنيات حل النزاعات والديمقراطية والتوعية بشأن حقوق الإنسان والتسامح في وجه التعددية والتعايش والمساواة بين الرجل والمرأة، إلا وأن فعالية تطبيق مباديء التعليم من أجل السلام تختلف من بلد إلىّ آخر، كما أنه يتسم بأهمية أكبر عندما يتم اعتماده وفقا للبيئة الاجتماعية والثقافية.
ومن جانبه، أكد الأستاذ عبد الوهاب مطيش؛ نقيب المحامين السابق بتازة بالمملكة المغربية خلال كلمته على مدى تصدي المملكة المغربية لجريمة الإرهاب من خلال القانون الجنائي، وأنه من أجل التصدي للتطرف والإرهاب لابد للمشرعين من سن ترسانة قوانين رادعة لردع التطرف والإرهاب واستئصاله من جذوره والقضاء عليه بشكل نهائي.
وقال مهدي الإدريسي؛ كاتب وباحث اجتماعي، خلال كلمته عن القلق الهوياتي وسؤال انتقال المجتمعات اليوم، إن المجتمعات في المراحل الانتقالية تعرف كيفية طرح سؤال الهوية، ولعل هذا ما ساهم في بروز سؤال الهوية اليوم، ولهذا فإن إعادة تعريف الهويات اليوم والانتقال من الهوية المتغيرة هو أحد اهم المداخل لمواجهة التطرف والإرهاب.
كما أضاف أنه لابد من التأكيد علي أن خطاب التطرف اليوم هو خطاب عالمي لاسيما من طرف بعض أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، كما أكد على أن الحل لمواجهة كل هذا يأتي من خلال بناء دولة المواطنة والدولة المدنية.
وبدأت الجلسة الثانية من المنتدي والتي كانت بعنوان “الشعر والأدب ودورهما في نشر ثقافة التسامح والحوار والمواطنة” بكلمة من الدكتور خالد عزب بعنوان “الأدب والفن الإسلامي.. استعادة المكروه للمستقبل”. أكد خلالها على أن الثقافة العربية تواجه عدة تحديات معقدة، لعل أبرزها تحدي الهوية، ففي ظل تراجع المشروع القومي العربي، وتصاعد النبرات القطرية، يبقى سؤال الهوية أساسيا للمستقبل، لذا فإن علاقة الأجيال الجديدة باللغة العربية وآدابها، باتت علاقة محورية للمستقبل، فضعف هذه العلاقة بات يهدد هويتنا حتي القطرية، لذا فإننا هنا نبحث في قدرتنا على التكيف مع التحديات المعقدة التي نواجهها.
كما أكد علي أنه من الضروري الآن التصحيح الذاتي self-correction من خلال التعلم من التجارب السابقة والاستفادة من تراكم الخبرات، فقد أدى الانكفاء العربي على الذات الوطنية إلىّ مساحات من الفراغ التي جعلت تيارات العنف تنفذ من خلال هذه الأجيال، فالاستهتار بمدرس اللغة العربية على شاشات التلفاز أدى إلىّ نتائج سلبية، فضلا عن الترويج لنصوص أدبية تفتقد الجمال، بالإضافة إلىّ طرق تدريس عقيمة.
وأضاف أن ذلك يتطلب الآن وليس غدا الانفتاح على الأفكار المختلفة والمتضادة بشأن التعامل مع اللغة الوطنية وآدابها كأساس للهوية الوطنية، خاصة أن هذه اللغة ترتبط بالدِّين الذي يدين به أغلب المواطنين، وأن هذا ما يؤكد أهمية تجنب الثبات على مجموعة حلول تقليدية للتعامل مع كافة التحديات.
واستهل حديثه، قائلا : إن هنا يبقي السؤال الأساسي هل باتت اللغة العربية وآدابها محل تساؤلات اليوم في ظل تصاعد رغبات البعض في ترسيخ دور العامية ( كالعامية المغربية ) في المناهج الدراسية، أم أن الأمر يتجاوز ذلك بكثير، فإن التحليل الدقيق لمعطيات الأجيال الجديدة، سيجد أن اللغة العربية تمثل بالنسبة لهم مفتاح إما للتطرف ثم العنف أو للذهاب نحو التوازن النفسي والعطاء، هذا ما يفسر على سبيل المثال: كثافة إقبال الجيل الثالث من المهاجرين في الغرب على دراسة اللغة العربية، ليتجاوز موضوع الهوية اللغوية الوطن إلىّ خارج حدوده، ليجد هؤلاء لدى تيارات الإسلام السياسي إجابات على أسئلتهم، في ظل سياسات دول كألمانيا وفرنسا تعزز اللغة كرافد أساسي للهوية الوطنية.
وتطرق الدكتور خيري دومة؛ دكتور بجامعة القاهرة خلال كلمته إلىّ الأدبية والتطرف قائلا نحن نقرأ القصائد والروايات وغيرها من أشكال الأدب، نستمتع بها، ونشعر إنها تنطوي علي سرها الذي يسحرنا ويغير حالتنا، ومع أن القصيدة أو الرواية ربما تكون قد غيرتنا فعلا، وغيرت إحساسنا بالعالم، فإن الشك يظل يساورنا دائما في مدى جدواها أو قدرتها علي تغيير ما يحيط بِنَا من واقع سيء، فكثيرا ما سألنا أنفسنا منذ أن بدأنا بقراءة الأدب، ودراسة نظرياته ونصوصه الخيالية، هل لقصيدة أو رواية تقوم على الخيال أية فائدة ترجى في تغيير المجتمع؟ وهل بإمكان الأدب أن يغير الواقع فعلا؟ وهل يكتب الشعراء والروائيون بقصد تغيير العالم أو إصلاحه حقا؟.
وأكمل حديثه قائلا، إنه ما من شك في أن الأدب يغير الواقع في كثير من الأحيان، لكن ما يقوم به من تغيير يتصف بخصائص محددة، أولاها أنه يجري على المستوى العميق لعقل المتلقي ووجدانه، والثانية أنه يجري ببطء وعلى مهل، والثالثة أنه تغيير يجري على أساس من اتصال فردي بين كاتب وقاريء يلتقيان علي صفحات نص أدبي يصنع عالما متخيلا، ومن مجموع الأفراد الذين قرأوا عملا أدبيا ما، فيمكن أن يحدث تغيير على مستوى جماعي في فترة محددة، أو على الأقل مستوى يتجاوز الفرد إلىّ المجتمع في عمومه.
ومن جانبه، أكد الأستاذ محمود عزت؛ نائب مدير إدارة المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية على أن الدول والمجتمعات العربية في حاجة إلىّ إعادة النظر في البيئة الاجتماعية والثقافية السائدة لتنشيء عزيمة جدية لتحسين حياتها ومنظومتها الاقتصادية والسياسية على النحو الذي يحسّن حياتها ويحقق كرامتها.
و أضاف أن أضعف الإيمان فيما يمكن فعله في هذا المجال هو مؤتمرات ومنصات النقد للتطرف والعنف والرد عليهما وإثبات عدم صحة علاقتهما بكل ما هو عربي وكل ما هو إسلامي بدون التحرك الفعلي والعملي على الأرض وهو ما تم إنجازه بالفعل من قبل عدد من المؤسسات الثقافية وعلى رأسها مكتبة الأسكندرية من حيث وضع إستراتيجية للتحرك الفعلي وبدء وعيها بأن المناعة الفكرية تحمي الأفراد والمجتمعات من التطرف والعنف والكراهية، وهذا يقتضي تشكيلات فكرية شاملة لا تقتصر علي الحماية من التطرف وإنما تعد أفرادا فعاليين ومستقلين يصعب خداعهم وقيادتهم من دون إدراك، وفِي نفس الوقت قراءة التراث والتجربة التاريخية لاستدراك أخطاء الماضي واستدعاء ما يحصن المجتمع.
كما أضاف أنه وبطبيعة الحال المناعة الفكرية تعني تزويد الأفراد والمجتمعات بالمهارات والمعارف التي تمكنهم من التفكير الصحيح وتجنب الخطأ والانحراف والتطرف ونقص المعارف والمهارات.
وفِي نهاية جلسات اليوم الأول، تم إصدار إعلان و سمي بـ”إعلان تازة لمواجهة التطرف والعنف”، والذي من خلاله تم إدانة كافة أشكال الإرهاب بمختلف دول المنطقة والعالم بأسره وكان آخرها ما حدث في مصر الأسبوع الماضي وراح ضحيتها أبرياء.
كما تم تضمن الإعلان توصيات المنتدى الدولي الأول لمناهضة الفكر التطرفي وهي عبارة عن: يجب إعادة الاعتبار للغة العربية كلغة للقضاء على تلك الظاهرة سواء عبر إحياء تراث الأدب العربي أو من خلال إحياء دور المثقفين والشعراء والأدباء وتخريج جيل جديد من المبدعين يُؤْمِن بدور الأدب والفنون والرياضة في توجيه طاقات الشعوب وتهذيب السلوك، التأكيد على دور المثقفين العرب في نبذ العنف والتطرف ودراسة أسباب هذه الظاهرة ومنظومة القيم الإنسانية باختلاف مكوناتها التي تستلزم مواجهة الإرهاب، التأكيد على دور التربية المدنية بجميع مكوناتها الأسرية والمدرسية والدينية والإعلامية والثقافية في إرساء ثقافة نبذ العنف والتطرف والإرهاب وإنشاء تربية السلام والتسامح بين الشعوب، وأخيرا العمل على بناء صناعات الإبداع الثقافية للكتابة والنشر والتأليف والتعبير والرواية والموسيقى والفنون التشكيلية والمسرح.. إلخ.
واختتمت فعاليات اليوم الأول للمنتدى بأمسية شعرية وفنية، تم من خلالها تكريم وتسليم دروع الفائزين بجائزة تازة الأدبية.
جدير بالذكر أنه تم تكريم كلا من الدكتور خالد عزب والأستاذ محمود عزت وكذلك تكريم مكتبة الإسكندرية متمثلة في الدكتور خالد عزب؛ للجهود المبذولة في مجال المجابهة الفكرية للتطرف وإسهامهم في إنجاح فاعليات المنتدى الدولي الأول لمجابهة التطرف بالمملكة المغربية.