لقيت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الصين إهتماماً كبيراً لدى الأوساط الرسمية والإعلامية ، وعلقت وكالة الأنباء الصينية الرسمية “شينخوا” بأن الزيارة بالغة الأهمية فى تاريخ العلاقة الصينية – المصرية ، حيث تأتي في التوقيت المناسب تماما لكون “السيسى”أول زعيم عربي يقوم بزيارة البلاد عقب اختتام مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في بكين مؤخرا.. حيث بدأ “السيسى” زيارته إلى الصين بثلاثة لقاءات تناولت عدة مجالات مختلفة مثل التعليم والاقتصاد والتجارة ،ألقى فيها ثلاث كلمات وأجاب على أسئلة رؤساء الجامعات ورجال الأعمال ، وشهدت قاعة “الشعب الكبرى” ببكين مراسم التوقيع على وثيقة الإرتقاء بالعلاقة الثنائية إلى شراكة استراتيجية شاملة مع الرئيس الصينى “شي جين بينج” حيث أوضح السفير علاء يوسف المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بأن البيان المشترك الذي وقعه الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الصيني بشأن إقامة “علاقات الشراكة الإستراتيجية الشاملة” بين البلدين، يُنظم كافة جوانب العلاقات الثنائية بين البلدين، ولاسيما توطيد العلاقات بينهما إلى مستوى متقدم ، كما تشدد الوثيقة على ضرورة تمسك البلدان بثوابت العلاقات الإستراتيجية الشاملة، لتحقيق المصالح المشتركة، وتكثيف الزيارات المتبادلة والتشاور السياسي بين وزارتي الخارجية . وفيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والتجارية والاستثمارية ، تم التأكيد على ضرورة اتفاق الجانبين على تحقيق المنفعة المتبادلة وتفعيل دور اللجنة الاقتصادية والتجارية الثنائية بين البلدين،
إحياء “طريق الحرير”
وأعربت مصرعن دعمها لمبادرة الرئيس الصيني لإحياء “طريق الحرير” البري والبحري ، فى حين يُدعم الجانب الصيني خطط الحكومة المصرية لإنعاش الاقتصاد، بما في ذلك المشروعات القومية الكبرى التي تنفذها،هذا وقد رحبت الصين بتدعم جهود مصر لعقد المؤتمر الاقتصادي في مارس 2015. هذا وقد أشار الرئيس الصينى إلى أن مبادرة إعادة إحياء طريق الحرير ستحقق المصلحة المشتركة للبلدين، إذ يمر هذا الطريق بـ65 دولة ، موضحاً أنه تلقى موافقة خمسين دولة منها للمساهمة فى هذا المشروع، وقد عرض الرئيس الصينى خمسة أهدافمحددة للطريق تتمثل فى تعزيز التعاون الاقتصادي، وتحسين سبل ربط الطريق، وتشجيع التجارة والاستثمار، وتسهيل تحويل العملات، ودعم عمليات التبادل بين الشعوب .
الجدير بالذكر فإن طريق الحرير لم يكن طريقاً واحداً، وإنما شبكة طرق فرعية تصب فى طرق أكبر أو بالأحرى فى طريقين كبيرين ، أحدهما “شمالى صيفى” والآخر شتوى كانوا يسلكونه فى زمن الشتاء، ويجمع بين هذه السبل والمسارات جميعاً، أنها مسالك للقوافل المتجهة من الشرق إلى جهة الغرب، لتمر فى طريقها ببلدان ما لبثت أن ازدهرت مع ازدهار هذا الطريق التجارى الأكثر شهرة فى العالم القديم.
وبحسب وكالة “شنخوا” فإن” وو سى كه ” سفير الصين لدى القاهرة سابقاً قد أكد أن التوقيع على هذه “الوثيقة” يؤكد على مكانة مصر ووزنها فى الشرق الأوسط وأفريقيا، ويسهم فى توطيد العلاقات بين الصين ومصر وتعميقها فى مجالات السياسة والاقتصاد والتجارة والاستثمار والطاقة والتكنولوجيا والثقافة ومكافحة الإرهاب فضلا عن الشئون الإقليمية والدولية ، بينما قال “سو تشانج خه ” مدير معهد العلاقات الدولية والشئون العامة بجامعة فودان الصينية : إن علاقة الشراكة الاستراتيجية الشاملة هى أعلى درجات العلاقات الخارجية والتى لم تقمها الصين سوى مع عدد محدود جداً من الدول التى ترغب بكين فى رفع مستوى التعاون مها بما يبرهن على مدى متانة العلاقة الثنائية وإهتمام الصين بمصر.
وفي إطار إشادة الرئيس عبد الفتاح السيسي بمبادرة “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير” التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ في العام الماضي، أكد الاقتصادي المخضرم يانغ على أهمية مصر في هذه المبادرة الطموحة كونها تقع عند نقطة إلتقاء طريقي الحرير البري والبحري . كما يرى خبراء صينين أن إطلاق العنان للدور الهام الذي تلعبه منطقة غرب السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري بين مصر والصين لتغدو نموذجا يمكن الانطلاق منه إلى دراسة إمكانية إقامة منطقة تجارة حرة بين البلدين مستقبلا . وأجمع الخبراء الصينيون على أن تسهيل الاستثمارات والتجارة هو الاتجاه الرئيسي لتعزيز التعاون الاقتصادي والمطلب الجوهري للعولمة الاقتصادية في عالم اليوم، قائلين إن الرسالة التي وجهها الرئيس السيسي إلى المستثمرين الصينيين خلال زيارته وأكد فيها على التزام مصر بتحسين المناخ الاستثماري واتخاذ كافة الخطوات للحد من الإجراءات البيروقراطية تكتب النجاح لمشروع المنطقة وهدفه الطموح .
اتفاقيات شراكة مصرية صينية
وحضر الرئيس السيسي مراسم التوقيع على مجموعة كبيرة من الإتفاقيات ومذكرات التفاهم بين الحكومة المصرية والشركات الصينية لتنفيذ عدد من المشروعات في مجالات الكهرباء والطاقة الجديدة والمتجددة والسكك الحديدية والإتصالات ، حيث التقى بالسيدة “صن يافانج”رئيسة شركة هواوى فى بكين ، وحسب البيان الذى أصدرته شركة هواوى اليوم، فإن الرئيس السيسى، أكد على أهتمام مصر بالاستثمارات من كبرى شركات الاتصالات مثل هواوى ووأضاف : نرحب بدعمها فى الإرتقاء بالتغطية للشبكات فى مصر ودعمها لتطوير خدماتها العامة والحكومية بالتكنولوجيا الرقمية”. وقالت السيدة “صن” “لقد أدركت منذ فترة طويلة أهمية مصر فى سعينا نحو العالمية، حيث جعلنا من مكتبنا فى مصر مركزاً إقليمياً لشمال إفريقيا فى مصر منذ عام 1999 وأنشأنا شركتنا المحلية “هواوى مصر” فى عام 2002، بجانب إنشاء عدة مراكز متخصصة للخبرات فى مصر، ونسعى أن نتمكن فى المستقبل بتبادل ونقل الخبرات التى اكتسبت من مصر بشأن التخطيط فى مجال بناء تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مع مختلف البلدان فى العالم. حيث سيتم إطلاق شركة هواوى العام المقبل برنامجها لتطوير المواهب “بذور للمستقبل” فى مصر لجلب الطلبة المتفوقين والمهندسين الشباب إلى مقر شركة هواوى فى الصين للتدريب وستستمر الشركة فى إنشاء مراكز التدريب بالشراكة مع مؤسسات التعليم العالى والتدريب لمساعدة مصر على تطوير الجيل الأول من المواهب المتخصصة فى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والمواطنين الرقميين، كما أكدت رئيسة الشركة بالوفاء بدورها فى المسئولية الاجتماعية للشركات فى مصر.
تعاون اقتصادى وفنى بين الحكومتين
من ناحية أخرى وقعت مصر والصين على اتفاقية التعاون الاقتصادى والفنى بين الحكومتين فمن الجانب المصرى الدكتورة نجلاء الأهوانى وزيرة الدولة للتعاون الدولى كما وقع منير فخرى وزير التجارة والصناعة مع وزير التجارة الصينى على محضر الاجتماع السادس بين اللجنة المصرية الصينية الاقتصادية المشتركة. كذلك اتفاق تعاون بين هيئة الفضاء الصينية وهيئة الإستشعارعن بعد فى مصر فى مجال تكنولوجيا الفضاء والاستشعار عن بعد. كما وقع الدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء ورئيس الهيئة الوطنية للطاقة فى الصين على اتفاقية إطارية فى شأن الطاقة المتجددة، فيما وقع السفير المصرى الدكتور مجدى عامر سفير مصر لدى بكين على مذكرة تفاهم بين وزارة علوم التكنولوجيا الصينية ووزارة البحث العلمى المصرية لبناء مختبر للطاقة المتجددة . فى حين أعلن الدكتور خالد حنفي وزير التموين والتجارة الداخلية أنه تم توقيع خطابين نوايا مع عدد من الشركات الصينية للمشاركة والاستثمار في المركز اللوجيستي العالمي للحبوب والغلال والسلع الغذائية المقرر إقامته في محافظة دمياط ومدينة التجارة والتسوق التي ستقام بالقرب من محور قناة السويس . مؤكداً أن الشركات أعربت عن أن تلك المشروعات القومية ستضع مصر علي خريطة التنمية والجاذبة للاستثمارات الخارجية .\
زيارات لمدن صناعية وتكنولوجية
وقد زار الرئيس عبد الفتاح السيسى والوفد المرافق مدينة “تشانجدو” جنوب غرب الصين لبحث إمكانية تنفيذ عدد من المشروعات فى مصر والاستفادة من الخبرة الصينية لإنشاء خطوط إنتاج فى مصر وتدريب كوادر ونقل التكنولوجيا، حيث تجتذب المدينة 252 شركة من أقوى 500 شركة فى العالم، ويبلغ إجمالى قيمة صادرات المدينة 6.50 مليار دولار. كما تربط المدينة 71 شركة طيران دولى وإقليمى تربطها مع 167 مدينة داخل وخارج الصين لتعزيز اتصالاتها مع العالم . كما قام بزيارة مقاطعة “سيشوان” التى تعد أكبر المقاطعات الصينية سكاناً، حيث يبلغ عدد سكانها نحو 90 مليون نسمة، مشيرا إلى أنها إحدى أهم القلاع الصناعية فى الصين، حيث تضم العديد من مراكز التصنيع المتخصصة فى مختلف المجالات، ولاسيما مجال الطاقة التقليدية والجديدة والمتجددة. و زار الرئيس السيسى أيضاص معامل البحث والتطوير في هذه الشركات، واستمع إلى شرح من جانب الخبراء الصينيين لأحدث الأساليب في توليد الطاقة، و تم بحث سبل التعاون المشترك والاستفادة من الخبرات الصينية الكبيرة في هذا المجال.
حيث أبدى الرئيس إعجابه بالمستوى الرفيع الذي حققته الصين في هذا القطاع، معرباً عن تطلع مصر لتفعيل التعاون بين الجانبين تنفيذاً للاتفاقيات الموقعة في هذا الصدد، وبما يتماشى مع ترفيع العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وهو ما لقي ترحيباً من جانب المسئولين الصينيين، والذين أكدوا استعدادهم لتلبية احتياجات مصر التنموية كافة.
خبراء صينيون يُؤكدون أهمية الشراكة
وقال “دنغ شياو هوا” المدير التنفيذي لمركز الأعمال الخارجية لشركة “شينشيوانغ” التي تعمل في مصر على مدى أكثر من أربع سنوات إن مصر تتمتع بمستوى تعليم عالي نسبيا بين الدول العربية والافريقية، مؤكدا على كون معظم كوادر شركته المحلية من المصريين.
بينما أوضح “وانغ يونغ” نائب المدير التنفيذي لصندوق التنمية الصينية الإفريقية إن استثمارات الصندوق الموجهة إلى مصر تجاوزت 500 مليون دولار أمريكي منذ تأسيسه في عام 2007 ولم تتوقف عملية الاستثمار في فترة تذبذبات الساحة السياسية.
وأكد السيد سو تشانغ خه مدير معهد العلاقات الدولية والشؤون العامة بجامعة فودان الصينية أن علاقة الشراكة الإستراتيجية الشاملة هي أعلى درجات العلاقات الخارجية والتي لم تقمها الصين سوى مع عدد محدود جدا من الدول التي ترغب بكين في رفع مستوى التعاون وتوسيع نطاقه معها ليشمل جميع الجوانب، ما يبرهن على مدى متانة العلاقة الثنائية واهتمام الصين بمصر حيث أكد الرئيس شي خلال محادثاته مع الرئيس السيسي إن العلاقات بين الصين ومصر تمثل نموذجا للعلاقات بين الصين والدول العربية والإفريقية وكذلك العلاقات بين الجنوب والجنوب، وإن التوقيع على هذه الوثيقة يعد معلما مهما يدفع التعاون بين الصين ومصر إلى مستوى أعلى في شتي المجالات ليصب في صالح الشعبين الصديقين.
و كانت “صحيفة المال والاقتصاد” قد ذكرت بصفتها إحدى أهم الجرائد المتخصصة في الاقتصاد والتجارة إن جدول أعمال الرئيس المصري السيسي كان مزدحما جدا منذ اليوم الأول لزيارته إلى الصين.
من جانبة أكد السفير المصري فى بكين الدكتور مجدي عامر أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للصين التي تربطها بمصر علاقات صداقة راسخة تحمل أكثر من مغزى، إذ أنها تأتي إدراكا من مصر لأهمية دور الصين الحيوي والقوي إقليميا ودوليا باعتبارها قوة داعمة للسلام، وتحمل رسائل عدة من بينها الارتقاء بالعلاقات بين البلدين إلى مستوى شراكة إستراتيجية شاملة سياسيا واقتصاديا وأن أبواب مصر مفتوحة لكل من يرغب في مشاركتها العمل والاستثمار وخاصة الصين. وأضاف خلال المقابلة الخاصة التى أجرتها معه وكالة أنباء “شينخوا” أنه رغم أن الصين باتت الآن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إلا أنها لا تزال تعتبر نفسها دولة نامية وتولى أهمية كبرى لعلاقاتها مع الدول النامية ومساعدتها في تحقيق التنمية والتقدم، مضيفا أن الصين تشجع الدول الصديقة على أن تكون شركاء لها في هذا النجاح تدعيما للمصلحة العامة والكسب المشترك، كما ان مصر من جانبها تحقق تقدماً ملموسا على طريق الاستقرار واستعادة الأمن والسير بخطي واسعة من أجل تحقيق التنمية والعمل علي تعافي الاقتصاد.