أثار موضوع منح الجنسية المصرية للمستثمرين العرب والأجانب مقابل مُساهمتهم الإستثمارية فى مصر جدل فى الأوساط القانونية والاقتصادية ، وكان المبرر وراء هذا الطرح الذى تقدم به الإتحاد العربى للإستثمار المباشر لإنعاش الاقتصاد المصرى وتدبير جانب من التمويل الذى تحتاجه بعض المشروعات القومية فى البلاد . فالبعض يرى أن الجنسية المصرية ليست سلعة تباع وتشترى ، ولا أن السيادة المصرية والأمن القومى للبلاد يتحمل عواقب إتحاذ هذا القرار .. وهو ما أكده المستشار حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق أما الدكتور نبيل حلمى أستاذ القانون الدولى ورئيس كلية الحقوق جامعة الزقازيق فيرى أن هناك فرق بين الجنسية والتجنس ، فالجنسية لأبناء الوطن أم التجنس لغير أبناء الوطن ويكون محكوم بشروط معينة . أما هانى توفيق رئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر قيُرجح مسألة اتباع السماح بالإقامة فى مصر بدلاً من إعطاء الجنسية خاصة فى ظل هذه المرحلة التى تمر بها المنطقة من حولنا .. فإلى مضمون التحقيق الذى استطلعت فيه “وطنى” الأراء القانونية والاقتصادية للوقوف على أبعاد القضية .
فى البداية أوضح المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق أن المشروع خيالى ولا يتفق مع مبادىء القانون الإنسانى الدولى ولا مع مواثيق حقوق الإنسان ، كما أنه يتنافى مع السيادة المصرية ، فالجنسية لا تُمنح إلا لابناء الوطن الذين ولدوا على أرض ذلك الوطن وهذا هو المعمول به فى جميع أنحاء العالم ، والاستثناءات تكون لمن قدموا خدمات وأعمال جليلة لصالح الدول التى أعطتهم جنسيتها كما هو الحال بالنسبة للدكتور أحمد زويل والدكتور مجدى يعقوب ، والحديث فى إعطاء الجنسية مقابل حفنة من الاستثمارات أو الدولارات فهذا كلام افتراضى ولا ييتناسب مع الواقع المصرى ، خاصة فى ظل الإضطرابات التى تشهدها بعض الدول من حولنا مثل سوريا والعراق ، فهل يستقيم الأمر بأن نعطى الجنسية المصرية لأشخاص هاربين من دول شابتها الفوضى والحروب مقابل حفنة من الأموال ، دون الإنتباه لمسألة الأمن القومى المصرى ؟!
وفيما يتعلق بالضمانات التى يُمكن أن تقدم للمستثمرين غير مسألة منح الجنسية ، أشار رئيس مجلس الدولة الأسبق إلى أن هناك نوافذ كثيرة أخرى لتنمية الاستثمارات فى مصر غير مسألة منح الجنسية ، وأن الدولة تستطيع أن تقدم للمستثمرين الأجانب حزماً من الحوافز والضمانات ، ومنها الحوافز الضريبية وتوفير الضمانات الأمنية للمشروعات على أرض مصر ، وتقليل تكلفة الاستثمار الصناعى والتجارى والزراعى بشكل عام . كما انه من الناحية الواقعية بالنسبة لمصر ، فإننا دولة لديها أزمة سكانية ، إذ يعيش حوالى 90 مليون نسمة من المواطنين على حوالى 5% من مساحة أراضيها ، وبالتالى فلسنا مثل أمريكا واستراليا ونيوزيلندا نرحب بالمهاجرين ، لأنه ببساطة ليست هناك مصلحة وطنية لمصر فى ذلك ، أو بأن نعطى الجنسية لغير مصريين إلا بإستثناء محدود ولأفراد وليس لجماعات . مؤكداً أن القانون الدولى والمادة 15 من قانون الجنسية يربط جنسية الشخص بالموطن الذى ولد فيه ، والاستثناء هو تقديم خدمات جليلة للبلد التى يحمل جنسيتها ، وتسقط هذه الجنسية فى حالة عدم الولاء للدولة ، كما أن مسألة إعطاء الجنسية لغير المصريين يرتبط بالسيادة الوطنية ، لأن المتجنس هنا سيكون بحكم الدستور مواطناً مصرياً عليه واجبات وله حقوق من ضمنها الحقوق السياسية التى تسمح له بالترشح فى الانتخابات والتقدم للمناصب القيادية بالبلاد .
إتباع اسلوب “السماح بالإقامة”
من جانبه يرى هانى توفيق رئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر أن فكرة أعطاء الجنسية مقابل ضخ استثمارات بقدر ما ، مُطبقة فى دول كثيرة ، لمنها إن طُبقت فى مصر الآن فإنها لن تتمخض إلا عن جذب أشخاص لديهم أموال لكنهم غير مرغوب فيهم ، خاصة فى ظل الأوضاع التى تُعانيها المنطقة من حولنا ، وبالتالى فى ظل هذه الأوضاع لن يلأتى إلا تُجار السلا ح أو من هم من المحسوبين على تيارات تمارس العنف ، ولم يأتى أشخاص مُحترمين يحبون مصر بجد ويُريدون التجنس بجنسيتها . وأضاف : فالبديل عم إعطاء الجنسية هو السماح بالإقامة للاستثمار فى مصر وفى حالة ثبوت التزام هذا المستثمر فيما يتعلق بممارسة القانون للأعمال والتزامه أيضاً بدفع الضرائب واسهامه فى تتشغيل عدد لا بأس به من العمالة المصرية ، فيمكن أن تتحول هذه الإقامة إلى جنسية خلال فترة تتراوح من 3 إلى 5 سنوات ، ومع ثبوت أن مصادر أمواله وأعماله معلومة ومُحترمة . مؤكداً أنه معاض تماماً لفكرة اعطاء الجنسية مقابل ضخ مليارات الدولارات فى هذه الفترة للأسباب التى ذكرتها ، أما لو تم ذلك فى ظروف وأوضاع أفضل بالنسبة لمصر ودول المنطقة فسيكون ذلك مُرحباً به ، مؤكداً أن الجنسية المصرية غير قابلة للبيع ، لأن ذلك بعطى معنى وسُمهة سيئة لمصر ، لكننا يُمكننا اتباع اسلوب السماح بالإقامة .
التجنس يُمنح بشروط معينة
بينما يرى الدكتور نبيل حلمى أستاذ القانون الدولى ورئيس كلية الحقوق جامعة الزقازيق أنه لا شك أن الجنسية هى رابطة بين المواطن ودولته ومن خلالها يختلف المواطن عن الأجنبى ،فالمواطن يتمتع بحقوق ويتحمل التزامات، فمن الحقوق التى يتمتع بها الحقوق السياسية ، ومنها الترشح للمجالس النيابية ، وللمناصب السياسية المختلفة ، كذلك له الحق فى شغل الوظائف العامة فى الدولة بإعتباره مواطناً . وهناك التزامات يتحملها منها الدفاع عن الدولة والالتحاق بالتجنيد أو القوات المسلحة للدولة ، وفقاً لقوانينها ، أما بالنسبة لمنح الأجنبى جنسية الدولة ، علينا أن نفرق بين الجنسية والتجنس ، فالجنسية لابن الدولة ، أما التجنس فيُمنح بشروط معينة وضوبط لا تعطيه الحق الكامل والمتساوى بمن يحمل جنسية الدولة ، لكن تمنح له الدولة حق الخروج والدخول دون حاجة لتأشيرة من الدولة . مُشيثراً إلى أن المتجنس يتمع ببعض الحقوق الاقتصادية التى يُنظمها القانون فى هذا الشآن مقابل دفع الضرائب والالتزامات التى تفرضها على المشروعات المُقامة فى مصر سواء بالنسبة للمواطنين أو الأجانب على أن تضع الدولة ممثلة فى القانون شُروطاً تتعلقبحجم استثمارات طالب التجنس ، أى أن تكون استثماراته لا تقل عن مبلغ معين ، وأن يعمل لديه أيضاً عدد معين من المواكنين المصريين للمساهمة فى مكافحة البطالة فى مصر . وفيما يتعلق بإسقاط الجنسية فى القانون الدولى لمن يثبت عليه تهم الإضرار بمصالح الدولة ، أوضح الدكتور نبيل حلمى قائلاً : أنا شخصياً لست مع مسألبة إسقاط الجنسية عن مصرى بالأصل ، فإذا كانت هناك مخالفة أو جريمة أرتكبت ، يُحاكم عليها الشخص مُرتكب هذا الجُرم طبقاً لنصوص وأحكام القانون المصرى . كما ان مسألة إسقاط الجنسية عنه يُثبت عليه الإضرار بمصالح الدولة ، تعد بالععل إحدى الضمانات ، غير أن مسألة التجنس والحصول على الجنسية المصرية لا يجب أن تتم إلا بمرور مدة لا تقلعن 10 سنوات ، بعدها يتم البت فى ذلك إما بالقبول او الرفض ( أى ان ال10 سنوات ، تكون بمثابة وضع طالب التجنس تحت الإختبار) على أن يكون هذا الشرط يتم استيفاءه ضمن الشروط التى يضعها القانون للتجنس الاستثمارى ، وذلك من المهم إيضاحه بالقانون .